الكلاب الضالة .. حوادث مستمرة وحلول عاجلة مطلوبة
عمران السكران
في شوارع المدن والقرى، لم يعد المشهد مقتصراً على السيارات المزدحمة أو المارة المستعجلين، بل هناك ضيف دائم يتجول بحرية تامة: الكلاب الضالة، ورغم أنّ البعض قد يراها جزءاً من “الديكور العام”، إلا أن الواقع أكثر قسوة، إذ تتكرر حوادث العقر بشكل مقلق، مخلفة إصابات جسدية وأحياناً نفسية عميقة، خاصة لدى الأطفال.
تقارير وزارة الصحة تشير إلى تسجيل الاف حالات عقر سنوياً في مختلف مناطق المملكة، وهو رقم لا يمكن التعامل معه باستخفاف، فكل عضة تعني رحلة طويلة مع الإبر الواقية من داء الكلب وتكاليف إضافية على النظام الصحي. وفي الأيام الماضية فقط، تناقلت وسائل الإعلام أنباء عن إصابات جديدة وأخرها في إربد تحديدًا، تحولت باحة مدرسة إلى ساحة رعب بعد أن هاجمت مجموعة من الكلاب طالبة صغيرة، فأصيبت بجروح استدعت نقلها إلى المستشفى، لم تقف المأساة عند هذا الحد، إذ أصيبت أيضًا ولية أمر الطالبة وشقيقها، إلى جانب مساعدة مديرة المدرسة التي حاولت التدخل وحماية الطفلة.. مشهد لم يكن في مسلسل درامي بل في قلب مدرسة يُفترض أنها مكان آمن للتعليم.
المشكلة هنا لا تتعلق فقط بسلامة الناس، بل أيضاً بسمعة المدن الأردنية التي أصبحت مضطرة للتعايش مع قطعان تجوب الأحياء وكأنها الحارس الليلي، ورغم أن البلديات تعلن بين فترة وأخرى عن حملات للسيطرة على الظاهرة، إلا أن النتائج تبدو متواضعة، ربما لأن الحلول التقليدية لم تعد تجدي نفعاً. المقترحات المطروحة تتراوح بين تعقيم الكلاب، وإطلاق برامج تبنٍ مدروسة، وصولاً إلى تشديد الرقابة على النفايات التي تشكل مصدر غذاء أساسياً لها، وهناك من يقترح أن تتحول المشكلة إلى فرصة عبر تدريب بعض هذه الكلاب لتصبح جزءاً في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، قد يبدو الأمر طريفاً، لكنه أفضل من تركها تحكم الشوارع بلا خطة واضحة.
وبينما تتباين الآراء حول أفضل الطرق لمعالجة القضية، يطرح مختصون مجموعة من الحلول العملية التي يمكن أن تسهم في الحد من الظاهرة، أبرزها: تنفيذ برامج وطنية للتعقيم والتطعيم تقلل من أعداد الكلاب على المدى المتوسط وتمنع انتشار الأمراض، وإنشاء ملاجئ ومراكز إيواء رسمية بالشراكة مع البلديات والجمعيات المختصة، إضافة إلى إصدار تشريعات صارمة تنظم ملكية الكلاب المنزلية وتمنع التخلي عنها في الشوارع. كما يشدد الخبراء على أهمية التوعية المجتمعية حول طرق التعامل مع الكلاب الضالة وسبل الوقاية من حوادث العقر، وتعزيز دور البلديات من خلال فرق ميدانية متخصصة تتعامل مع البلاغات بأساليب إنسانية.
ويرى مراقبون أن إشراك القطاع الخاص والجمعيات الأهلية في هذه الجهود، عبر حملات تطعيم أو رعاية الملاجئ، قد يسهم في تسريع الحلول ويقلل من المخاطر الصحية والمجتمعية.
ويبقى التحدي الأكبر في إيجاد استراتيجية متكاملة توازن بين حماية الإنسان وضمان معاملة رحيمة لهذه الحيوانات، بما يحقق الأمن الصحي والاجتماعي معاً.
والسؤال الأهم: هل نريد أن نستيقظ كل صباح على مشهد أطفال يطاردون الكلاب أو كلاب تطارد الأطفال؟ القضية لم تعد ترفاً بل تحد يومي يستدعي قراراً وطنياً حاسماً، فالمسألة لا تحتاج إلى مزيد من اللجان بقدر ما تحتاج إلى حلول عملية تضع حياة المواطن في المرتبة الأولى، لأن المواطن ببساطة ليس “فريسة سهلة” في شوارع بلده.