كيف حول ترامب القادة الأوروبيين إلى طلاب في صف السياسة العالمية؟!
كتب: محرر الشؤون السياسية
العقبة اليوم – في المكتب البيضاوي، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤخرا، مع قادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مشهد لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل لوحة سياسية تختزل فلسفة ترامب في إدارة العالم.
على الطاولة، بدت خريطة أوكرانيا تتصدر الموقف، فيما جلس القادة الأوروبيون متجاورين كما لو كانوا في صف دراسي، مقابل ترامب الذي بدا في موقع “المعلّم” المسيطر، يوزع التعليمات ويوجه الأسئلة، بينما اكتفى الآخرون بالإنصات وتدوين الملاحظات.
هذه الصورة ليست محض مصادفة، بل تعكس جوهر مقاربة ترامب في التعامل مع حلفائه: زعيم واحد يملي الشروط، وجميع الآخرين في موقع التلميذ، لقد أراد أن يرسل رسالة واضحة مفادها أن الأزمة الأوكرانية، وما يرتبط بها من تحديات أمنية وسياسية، ليست شأنًا أوروبيًا مستقلًا، بل ملفًا تحت وصاية أمريكية مباشرة، وأن واشنطن هي من تحدد المسار والحدود والنتائج.
ولا يمكن فصل هذا المشهد عن سياسات ترامب الأوسع التي امتدت من الشرق الأوسط حتى بروكسل، إذ جمع بين الحزم العسكري والانحياز لإسرائيل من جهة، واستخدام الرسوم والضرائب التجارية سلاحًا ضد الحلفاء من جهة أخرى، وقد ظهر ذلك بوضوح في البيان المشترك الأخير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي نصّ على أن خفض الرسوم الجمركية على السيارات لن يتم إلا بعد أن تلغي أوروبا رسومها على السلع الأميركية، وهو أول نص رسمي منذ أن أعلن ترامب عن الصفقة في اسكتلندا أواخر الشهر الماضي، هذا الإطار يؤكد نهج “وضع الشروط أولًا” في تعامل الإدارة مع الحلفاء.
أما في ما يتعلق بإسرائيل، فقد اتخذت إدارة ترامب خطوة أحادية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، بما أثار اعتراضات دولية واسعة وأعاد ترتيب أولويات الملف الفلسطيني في السياسات الأميركية، هذه الخطوة وملحقاتها المؤسسية (دمج القنصلية في بعثة السفارة) تُظهر كلفة الانحياز على مسار التسوية.
وفي سياق متصل بسياسة فرض الهيمنة وتحدي الأعراف الدولية، جاءت العقوبات الأميركية الجديدة على المحكمة الجنائية الدولية لتكشف جانبًا آخر من فلسفة ترامب في إدارة العلاقات الدولية، إذ تمثل هذه العقوبات تهديدًا خطيرًا للسلم العالمي لأنها تقوّض منظومة العدالة الدولية وتعرقل محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ما يفتح الباب أمام مزيد من الإفلات من العقاب وتصاعد النزاعات، في ظل غياب الردع القانوني والمؤسسي.
إن صورة الاجتماع في البيت الأبيض تلخص هذه الفلسفة: ترامب ليس رئيسًا يتشارك القرار مع الحلفاء، بل “معلّم” يتعامل مع القادة الأوروبيين كطلاب في صف، يملون دفاترهم بما يمليه، بينما يحتفظ هو وحده بحق وضع العلامة النهائية.
من هنا، تبدو إدارة ترامب وكأنها مشروع لإعادة هندسة العلاقات الدولية على قاعدة الطاعة والهيمنة، بدلًا من الشراكة والتوازن، ومع أن هذا النمط قد منح الولايات المتحدة مساحة قوة آنية، إلا أنه زرع بذور أزمة أعمق في النظام الدولي، حيث اتسعت الهوة بين واشنطن وحلفائها، وتعمّقت الشكوك حول شرعية القانون الدولي، وتزايدت المخاطر من انزلاق العالم إلى صراعات مفتوحة لا تحكمها سوى لغة القوة.
إن الخطر الأكبر في سياسة “المعلم والطلاب” التي جسدها ترامب لا يكمن فقط في مآلات الحرب الأوكرانية أو مصير الشرق الأوسط، بل في إرساء قاعدة جديدة للعلاقات الدولية، تُقصي المؤسسات، وتضع العالم كله تحت رحمة نزعة أحادية لا ترى في الآخرين سوى مقاعد صف أولى أمام “المعلم الأمريكي”.