سموم المدرجات
أسامة محمد العزام
إننا نخدع أنفسنا إن ظننا أن هذه مجرد تصرفات معزولة. فنحن أمام ظاهرة مقلقة، تنتقل فيها العدوى من هتاف مسيء في مدرج، إلى منشور حاقد على وسائل التواصل. لقد أصبح لكل شخص منبر يطلق منه أحكامه، ويتفنن خلف شاشته في السخرية والتجريح، مختبئاً خلف أسماء مستعارةأحياناً، ومتحدياً باسمه الصريح أحياناً أخرى، ومشاركاً في تسميم البئر الذي شربنا منه جميعاً كأس الفرح المونديالي. هذا الفضاء الذي احتفلنا فيه معاً، يتحول في جانبه المظلم إلى ساحة لتعميق الانقسامات.
وهنا، تقع على عاتق أنديتنا الجماهيرية اليوم مسؤولية تاريخية. فدورها يتجاوز حصد النقاط، وهي التي تغذي المنتخب باللاعبين الذين سيمثلوننا عالمياً. إن قيادتها الحقيقية تظهر في قدرتها على توجيه بوصلة جماهيرها نحو التشجيع النظيف، ونبذ كل صوت نشاز يحاول اختطاف حب النادي وتحويله إلى كراهية للآخر، فكيف سنهتف للاعب في المحفل العالمي ونحن نشتمه في الدوري المحلي؟
وهذا الدور القيادي هو ما سيمكّن الأغلبية الصامتة من أن ترفع صوتها. فليراجع كل منا نفسه: هل مشاركتي في هذا الجدال العقيم تخدم وطني الذي سيراقبه العالم بعد أشهر؟ هل إعادة نشر تعليق مسيء يعكس فرحتي بإنجاز “النشامى” أم يساهم في حفر هوة في جدار وحدتنا؟ إن المواطنة الحقيقية اليوم تتجلى في رفض الانجرار لهذه المعارك الصغيرة، فالانتصار الأهم هو الحفاظ على صورة الأردن ناصعة.
لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي. وهنا، لا مجال للمجاملة؛ فلا بد من سيف القانون الحاسم. يجب الانتقال من العقوبات الجماعية التي لم تثبت جدواها، إلى المحاسبة الفردية الدقيقة. فتجهيز الملاعب بتقنيات حديثة، وتفعيل قوانين الجرائم الإلكترونية بحزم، يبعث برسالة واضحة مفادها أن أمن المجتمع وصورته العالمية خط أحمر، وأن لا أحد فوق القانون.
كل هذا يجب أن ترافقه رواية إعلامية جديدة ترتقي لمستوى الحدث. على إعلامنا ومؤثرينا أن يدركوا أن القصة اليوم لم تعد قصة “معركة” محلية، بل قصة “الأردن في المونديال”. عليهم أن يرووا قصة المنافسة الشريفة التي تبني ولا تهدم، والاحتفاء بالرياضة كأداة للبهجة والتقارب.
إن الإنجاز التاريخي بالوصول إلى كأس العالم ليس مجرد تأهل رياضي، بل هو استفتاء على وعينا الحضاري وصورتنا أمام الأمم. نحن أمام خيار يحدد ما إذا كنا سنذهب إلى العالم كشعب موحد يفخر بمنجزه، أم كجماعات متناحرة تشوه فرحتها بيدها. فلنكن جميعاً على قدر هذا الإنجاز، ولنحافظ على هدير الفرح الواحد الذي جمعنا، في كل هتاف، وفي كل منشور.
يمثل الإنجاز التاريخي بالوصول إلى كأس العالم دعوة لنا جميعاً لنعكس للعالم أبهى صورة عن أصالتنا ووعينا. إنها لحظة فارقة تتطلب منا أن نسمو فوق انتماءاتنا النادية، وأن نكرّس الفرحة التي وحدت قلوبنا في كل ميادين حياتنا. فمن المؤسف أن نسمح للتعصب بأن يخدش جمال هذه اللوحة الوطنية الرائعة. فلنكن جميعاً على قدر هذا الإنجاز، ولنحافظ على هدير الفرح الواحد الذي جمعنا، في كل هتاف، وفي كل منشور.