مفاوضات غزة وتصاعد الأزمة الأوكرانية: قراءة في التحركات الدولية والإقليمية

كتب: المحرر الشؤون السياسية

239

العقبة اليوم- تشهد المنطقة والعالم حراكًا دبلوماسيًا متسارعًا في ظل أزمات مركبة، يتصدرها في الشرق الأوسط ملف الحرب الدامية في غزة، وفي أوروبا الحرب الروسية الأوكرانية التي باتت تختبر التوازنات الدولية بشكل غير مسبوق.

في غزة، بدا وكأنّ بصيص أمل يلوح في الأفق بعد أن أكدت حركة حماس للوسطاء المصريين والقطريين موافقتها على المقترح الأخير الذي طُرح بالأمس، والذي يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، يعيد خلالها الجيش الإسرائيلي تموضع قواته لإتاحة دخول المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع تنفيذ عملية تبادل تشمل إطلاق نصف الرهائن الإسرائيليين مقابل دفعات من الأسرى الفلسطينيين. مصدر مطلع على المحادثات شدد على أن هذا الاتفاق المؤقت قد يشكّل بداية طريق نحو حل شامل إذا التزمت الأطراف بتنفيذه.

لكن الميدان لا يزال مشتعلاً، فقد سجلت مستشفيات غزة سقوط عشرات الشهداء منذ ساعات الفجر بنيران الجيش الإسرائيلي في مناطق متعددة من القطاع، فيما واصلت الطائرات الإسرائيلية قصفها لشرق مخيم جباليا وتل الزعتر شمالًا.

بالتوازي، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية اعتراض صاروخ في منطقة كيسوفيم بغلاف غزة الجنوبي، وهو ما يعكس هشاشة الوضع الميداني حتى في لحظة الحديث عن تسوية. وفي الضفة الغربية أيضًا، تتواصل التوترات مع استئناف المستوطنين تجريف أراضٍ للفلسطينيين في قرية أم الخير جنوب الخليل.

على الجانب الإسرائيلي، المواقف الداخلية تزيد المشهد تعقيدًا، فقد هاجم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أي محاولة للتوصل إلى هدنة، معتبرًا أن وقف الحرب سيكون “بكاءً لأجيال” وإضاعة “فرصة هائلة لهزيمة حماس”، موجّهًا انتقادات حادة إلى رئيس الوزراء نتنياهو الذي “لا يملك تفويضًا للذهاب إلى صفقة جزئية” بحسب وصفه. هذه الانقسامات الداخلية تُضعف قدرة القيادة الإسرائيلية على اتخاذ قرار موحّد بشأن المبادرات المطروحة.

في هذه الأجواء، جاء المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت كخطوة لافتة، تحمل رسالة بأن القيادة الفلسطينية تستعد لمرحلة ما بعد الحرب. المرسوم يهدف إلى الانتقال من السلطة إلى الدولة، عبر وضع دستور مؤقت يرسخ أسس الحكم الديمقراطي ويضمن الفصل بين السلطات، مع مراعاة الحقوق والحريات العامة. كما نص المرسوم على إشراك المجتمع المدني والنوع الاجتماعي، وإطلاق منصة إلكترونية تفاعلية لضمان مشاركة أوسع من الفلسطينيين في الداخل والخارج. هذه الخطوة تتكامل مع التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي للسلام على مستوى القمة في سبتمبر المقبل، لتجسيد حل الدولتين، وتفتح الباب أمام إعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية على أسس أكثر صلابة.

أما على الساحة الدولية، فيتداخل الملف الفلسطيني مع تحولات موازية في أوروبا الشرقية. ففي واشنطن، شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على أنه جاء “فقط لوقف حرب أوكرانيا” مؤكّدًا أنه يعرف “تمامًا ما يفعله”.

تصريحات ترمب عكست رؤيته الخاصة التي تقوم على تفاوض مباشر مع موسكو، وإقناع كييف بتقديم تنازلات تشمل التخلي عن الانضمام إلى الناتو والتراجع عن المطالبة بأراضٍ تحت الاحتلال الروسي، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض بحزم هذه الطروحات، مؤكدًا في مقابلة مع “فوكس نيوز” أن “من المستحيل التخلي عن الأراضي الأوكرانية لصالح روسيا”.

وبينما تتعثر التفاهمات الكبرى في الملف الأوكراني، تبدو أوروبا عازمة على البحث عن ضمانات أمنية لكييف، تحاكي المادة الخامسة من حلف الناتو، في محاولة لردم الفجوة بين الموقفين الأمريكي والأوكراني.

نحن أمام مشهد عالمي دقيق: في غزة، مفاوضات هدنة هشة تتزامن مع تحرك فلسطيني نحو تأسيس دولة بعد الحرب، فيما يواجه الداخل الإسرائيلي انقسامات حادة.. وفي أوكرانيا، ضغوط أمريكية ودولية للوصول إلى تسوية تصطدم برفض أوكراني لأي تنازل سيادي، وبين هذا وذاك، يظل الاستقرار الإقليمي والدولي مرهونًا بقدرة الأطراف على تحويل المبادرات السياسية إلى وقائع قابلة للاستمرار.

قد يعجبك ايضا