ما صنعته الحروب تحصده السياسة
فهد الخيطان
لم تقل الأحداث في المنطقة كلمتها الأخيرة بعد، ليس هذا في الوارد حسب تقديرات المطلعين، ما تحمله توقعات مسرح السياسة من مشاريع وسيناريوهات، لا يقل خطورة عما خلفته ميادين الحروب على مختلف الجبهات.
نهاية القتال في غزة، ليست سوى بداية لمسار عسير من الترتيبات الخطرة والمريبة في القطاع والضفة. الأشهر الأخيرة التي مضت من الحرب على غزة، خصصها جيش الاحتلال الإسرائيلي لمهمة وحيدة؛ تدمير ما تبقى من أحياء سكنية. عطاء مفتوح لأصحاب الجرفات، من يهدم أكثر ينل أجرا أعلى.
ما يعرف بالمنطقة الإنسانية التي يخطط الاحتلال لإقامتها على أنقاض مدينة رفح، سيغدو موقعا إجباريا لا بديل عنه للإقامة، في ظل التدمير الشامل للقطاع.
غزة جرى تسويتها بالأرض، وعلى أنقاضها سيولد مشروع بديل، لا نعرف من هويته سوى ترتيبات تمضي مع دول عدة لتهجير الفلسطينيين إليها.
بلغت الوحشية في غزة مرحلة لم يعد الإعمار فيها ممكنا، وهذا السلوك البربري مقرون مع سياسة تجويع لا تترك للسكان من خيارات للبقاء، خاصة إذا طال أمد مفاوضات الهدنة في الدوحة.
حكومة المتطرفين في إسرائيل، لا تتوقف عن تغيير الوقائع بشكل كلي في الضفة الغربية. الاستيطان يتوسع، والضم يتم بشكل متسارع دون إعلان رسمي.
هذا كله يمهد لسيناريو قيد الإعداد لمستقبل القضية الفلسطينية. ثمة من يرى أن زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، هي من أخطر الزيارات، نتنياهو رفض الإفصاح عن فحوى التفاهمات التي توصل إليها مع ترامب، وقال للصحفيين: إنه سيكشف عن مضمونها عندما يحين الوقت.
جبهات الحرب في المنطقة ساكنة بفعل المهدئات. هدن هشة قد تنهار في أي لحظة. وقف إطلاق النار مع إيران بكفالة سياسية من غير المؤكد أن تصمد طويلا، إذا لم تتطور لتفاهمات صلبة حول البرنامج النووي. حكومة نتنياهو تضمر نوايا خبيثة، وتخطط لاستئناف الضربات كما تفيد التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية في تل أبيب، لتجهز تماما على مشروع إيران النووي والصاروخي، وأكثر من ذلك إسقاط نظام المرشد. واشنطن، كما أعلن لن تمانع ذلك.
لبنان الذي يعيش على ضربات إسرائيلية يومية تستهدف عناصر حزب الله، يواجه اختبارا داخليا عسيرا، فإما أن يتمكن العهد الجديد من إنجاز اتفاق تاريخي مع الحزب أو يدخل في صدام داخلي، يعيد إلى الأذهان زمن الحرب الأهلية. واشنطن تضغط بكل قوتها لتدشين مرحلة جديدة، وبيدها سلاح العقوبات الذي يدرك اللبنانيون مخاطره إن هم أخفقوا في الوفاء بشروط التسوية. في العموم لبنان مقبلة على مرحلة لا تقل خطورة عن مرحلة الحرب التي عاشتها أخيرا.
وجاءت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء لتذكرنا بمدى هشاشة الوضع السوري. تدخل الرعاة الأميركان، وحضور الدور الأردني والتركي هو ما يكبح جماح إسرائيل عن الدفع بمخطط التفتيت في سورية.
سورية تغيرت بسقوط نظام الأسد، لكنها مرشحة لتحولات أكبر في عهد أحمد الشرع. استحقاقات الاستقرار الدائم صعبة وبعيدة المنال. العلاقة مع إسرائيل بوابة لا بد منها للعبور، وليس مؤكدا بعد إن كان النظام الجديد قادرا على إعادة بناء النسيج الوطني السوري الذي مزقته سنوات الحرب الطويلة.
دول مهمة في الإقليم تواجه استحقاقات داخلية معقدة، العراق من بينها. ومحطة الانتخابات المقبلة تتزامن مع رغبة أميركية إسرائيلية كبيرة بتغيير ميزان القوى في بغداد.
الحاصل أن وجه الشرق الأوسط يتغير، وما صنعته الحروب، تحصده السياسة، فلنترقب.
” الغد”