الصيانة الدورية للطرق .. درب للسلامة
عمران السكران
في ساعات الليل المتأخرة، حيث ينسحب آخر خيط من الشفق خلف جبال شمال الأردن، تتحول رحلة العودة بين إربد وعمان إلى محاولة لمس الطريق بأعصاب البصر.
المصابيح التي رُصفت يوماً كعقد لؤلؤي على جانبي الطريق، صارت تشبه نجوماً محتضرة: بعضها يرفض البعض الآخر يستسلم للعتمة. هذا المشهد ليس مجرد شكوى متكررة في صفحات التواصل الاجتماعي، بل هو سؤالٌ عن جودة الحياة التي نستحقها جميعاً.
لطالما كانت صيانة البنية التحتية للطرق، وخاصة الخارجية منها، عموداً فقرياً في حماية الأرواح وتحريك عجلة الاقتصاد، فالإضاءة ليست مجرد ديكورًاً حضرياً، بل هي عين السائق التي ترى ما خفي عن عينيه، وهي الدرع الذي يحميه من حفرة طارئة أو حيوان يعبر، أو حتى من غموض قد يتحول إلى مأساة.
طريق إربد-عمان، شريان الحياة بين مدينتين كبرى، يروي قصة الإهمال دون كلمات: هناك حيث تنطفئ المصابيح لشهور، وتتحول مساحات واسعة إلى جُزر معزولة من الظلام، وكأنما انقطع حبل الود بين الإنسان والطريق.
الشكاوى التي ارتفعت مثل أوراق الخريف، لم تذهب سدىً، لكنها تنتظر تحولاً من ثقافة رد الفعل إلى ثقافة المبادرة.
فالصيانة الدورية ليست رفاهية تُؤجل، بل استثمارٌ في الأمان اليومي.
كم من حادثٍ كان يمكن تفاديه لو التقطت عين السائق حافة منحنى قبل ثانية؟ كم من أسرة ظلت مكتملة لأن عمود الضوء منع طفلاً من العبور العشوائي؟ هنا تبرز الحاجة إلى خطة استباقية ترى في كل مصباح معطّل حالة طوارئ صامتة.
الحلول ليست مستحيلة، بل هي تحتاج إلى إرادة تصنع المعجزات الصغيرة. بدايةً ببرنامج صيانة مُتنقل يعمل على مدار العام، يرصد الأعطال قبل أن تتحول إلى ظلام دامس. ومروراً بتوظيف التكنولوجيا، مثل أنظمة الطاقة الشمسية التي تحفظ للطريق نوره حتى عندما تنقطع الكهرباء.
ولا ننسى دور التشاركية بين المواطن والمسؤول، عبر منصة إلكترونية بسيطة تتحول فيها صورة العمود المعطّل إلى أمر عمل فوري.
الطرق المضيئة ليست مجرد مشروع هندسي، بل هي رسالة حضارية، رسالة تقول: “أنت غالٍ علينا، وسنحملك من الظلام إلى النور”.
طريق إربد-عمان يستحق أن يكون النموذج الذي يُحتذى، فما يحدث عليه اليوم هو مرآة لما يمكن أن يحدث في عشرات الطرق الأخرى.
لنعمل معاً على إعادة إشعال تلك المصابيح، فكل شعاع نورٍ يُضاف هنا، هو خطوة نحو وطنٍ لا يخاف أبناؤه من حلول الليل.