المجهول في أرقام الفقر
أحمد حمد الحسبان
ما بين مقتنع بأن معالم الفقر في الشارع الأردني واضحة، ولا تحتاج إلى دراسة للكشف عن مفاصلها، ومن يطالب الحكومة بالكشف عن مخرجات الدراسة التي يقال أنها أجريت، وأن الحكومات المتعاقبة تتحفظ على إعلانها، ثمة من يقرأ التحفظ الرسمي على نشرها من زاوية سياسية. ومن يرى أن إعلانها ضرورة ليس للرسميين فقط، وإنما لعامة المواطنين المعنيين مباشرة بهذا الملف، وكذلك للباحثين الذين يتابعون الملفين الاقتصادي والاجتماعي المحليين، وما شهدا من تغير باتجاه ما هو أصعب.
فالحقيقة المثيرة في هذا الملف، أن آخر دراسة للفقر أجريت قبل 15 عاما. أي في العام 2010. وأن مخرجاتها التي ما زالت معتمدة، وتخضع لبعض التعديلات غير العلمية أصبحت قديمة ولا يمكن اعتمادها ـ علميا ـ في مجالات التخطيط والتعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
تلك الفرضية يرد عليها البعض ـ همسا ـ بأن الأرقام غير المعلنة للدراسة الأخيرة قد تكون مررت لبعض الجهات الرسمية، وأن تلك الجهات أدركت صعوبة التعامل معها علميا وعمليا وواقعيا، بحكم الظروف الاستثنائية التي شهدها العالم. ولتحفظات لها علاقة بخصوصية الملف وانعكاساته على الشارع.
بكل الأحوال، هناك من يرى أن الشارع يكشف عن فهمه لذلك الملف، فالبطالة ـ التي تعتبر أم الفقرـ بلغت ـ بحسب دائرة الإحصاءات العامة ـ 21.4% خلال عام 2024 بانخفاض مقداره 0.6 نقطة مئوية عن عام 2023 . وتقدر وزارة العمل عدد الأردنيين المتعطلين عن العمل من الجنسين ب 430 ألفا، إضافة إلى 350 ألفا آخرين في سوق العمل غير المنظم.
ويقول منتدى الاستراتيجيات الأردني، في تقرير له أن القوى العاملة من غير الأردنيين تقدر بـ1.4 مليون فرد، وأن كل 10 عمال أردنيين يقابلهم نحو 8 عمال غير أردنيين، وأن 77 % من إجمالي العمالة غير الرسمية في الأردن هم من غير الأردنيين.
كل تلك المعطيات تتعزز بما يشاهد في الشارع من تغيرات اجتماعية ترتقي إلى مستوى الأمراض، ناتجة عن تصاعد الفقر وارتفاع البطالة. وما يتابع من تقارير أممية تتحدث عن مستوى الفقر في الأردن، وما تقرره الحكومة من مخصصات توجهها لمساعدة الفقراء. وهي مساعدات ” تدور حول المشكلة ولا تفلح في حلها”. بحكم تواضع الإمكانات، وغياب المعلومات الدقيقة، ذلك أن آخر معلومة تقديرية تم الكشف عنها من قبل وزارة التخطيط في العام 2021، وأشارت إلى 24 بالمائة، لكنها ربطت ذلك” الارتفاع” بجائحة كورونا. بينما التقارير الأممية الصادرة بعد ذلك تحدثت عن تقديرات بارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى حوالي 35% من السكان، أي ما يعادل 3.98 مليون شخص. وهي أرقام ـ يبدو أنها غير معبرة عن الواقع، بحكم أنها ليست مبنية على مقدار الدخل للمشاركين في عينات البحث، وإنما على” السعرات الحرارية” التي يحصلون عليها.
بمعنى أن من يعتمد” الخبز والشاي” في وجباته الرئيسية، قد تكون سعراته الحرارية أعلى من غيره من أصحاب الدخول المرتفعة.
بكل الأحوال، ورغم كل ما يثار في الدفاع عن صمت الجانب الرسمي إزاء دراسة الفقر، هناك من يرى أن مثل تلك الدراسات ضرورة للتعامل مع الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكافة روافدها وبخاصة لعملية التحديث الاقتصادي التي تتصدر الاهتمامات الرسمية هذه الايام.