الدروز .. بين «حلف الدم» وأصل الدم

رجا طلب

44

لم اخوتنا الدروز وتحديدا دروز فلسطين مرتين منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948، الظلم الاول هو انهم فلسطينيون وعرب رفضوا الاحتلال وعانوا مثل بقية المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، اما الظلم الثاني فهو عندما وقع وبالنيابة عنهم الشيخ امين طريف اتفاقية 1956 التي تعتبرهم طائفة مستقلة منفصلة عن العرب المسيحيين والمسلمين، وتم بموجب هذا الاتفاق دخول الدروز الى جيش الاحتلال كمتطوعين ثم اصبح الامر الزاميا، وهو ما اطلق عليه (حلف الدم) وهذا المصطلح يقصد به (التحالف بين النبي شعيب عليه السلام وهو النبي الرئيسي للدروز والنبي موسى نبي اليهود وهو توظيف زائف للدين) وهذا الاتفاق اوقعهم في حالة تناقض مع تاريخهم ووطنيتهم وقوميتهم وحتى انسانيتهم، وبالرجوع للوثائق التاريخية وتحديدا كتاب (دروز في زمن الغفلة، من المحراث الفلسطيني الى البندقية الاسرائيلية للباحث والمفكر الدرزي (قيس فرو) نجده يؤكد حقيقة ان الدروز رفضوا وبقوة قانون «التجنيد الإجباري» الذي صدر عام 1956 مشيرا الى أحد رموز هذا الرفض الشيخ فرهود قاسم فرهود من قرية رامة في الجليل والذي استغل كلّ لقاء ومناسبة للتحريض على الرفض، والذي وقع مع وجهاء آخرين على عرائض مختلفة وجهت إلى المستويات السياسية في دولة الاحتلال لوقف هذا القانون، وقام ومعه شخصيات اخرى بتحويل، عيد زيارة مقام «النبي شعيب» لفرصة لدعوة أبناء الطائفة لعدم الاستجابة لطلبات التجنيد.
تُظهر البيانات التي أوردها كتاب «قيس فرو» أن نسبة الرافضين للتجنيد بين الشبان الدروز كانت مرتفعةً رغم سياسة القمع التي اتبعها الجيش والشرطة في ملاحقتهم، وترافق ذلك مع نداء من زعيم الدروز في سوريا وقائد ثورتها ضد الفرنسيين، سلطان باشا الأطرش، إلى دروز فلسطين لرفض التجنيد والوقوف إلى جانب إخوانهم العرب في الكفاح ضدّ الصهيونية.
ومع مرور الوقت انغمس قطاع كبير من الدروز الفلسطينيين في حالتهم «الرمادية» بين هويتهم الاصلية كفلسطينيين وبين هويتهم الجديدة كاسرائليين وتمكنت هوية الاحتلال من التغلب لدى الكثير منهم لاسباب عديدة وبخاصة لدى الاجيال الشابة التي لا تملك اي ثقافة تاريخية وقائية تكشف لهم خطورة دولة الاحتلال ونظرتها الحقيقية لهم وللدور الوظيفي الذي رسمه لهم.
هذه الخلفية التاريخية السريعة كانت ضرورية مني ككاتب لاخذ دوري الاخلاقي والمهني لرفع الظلم الذي وقع على صورة وحقيقة الدروز وتلك الصورة النمطية الظالمة التى ترسخت في اذهان العامة عنهم في ظل قيادة امين طريف و حفيده موفق طريف حاليا، اللذان نجحا للاسف في ترسيخ الاعتقاد بوجود «دروز صهاينة» حسب تعبير المؤرخ الدرزي الثائر سعيد نفاع.
وبهذه الخلفية وبهذا الواقع وجد نتنياهو ان هناك فرصة مواتية لاضعاف سوريا والبدء بتقسيمها على اسس طائفية وقومية وفي ذهنه ما كتبه «برنارد لويس» في كتابه (مستقبل الشرق الأوسط: تنبؤات) الصادر عام 1997 والذي ركز على ضرورة تغذية تطلعات الانفصال للدروز والعلويين والكرد في سوريا وكذلك الشيعة والسنة والمسيحيين والكرد والتركمان في العراق ووجد نتنياهو ضالته او فرصته في وجود الشيخ حكمت الهجري صاحب المواقف المتناقضة التى اوصلته الى التواصل مع الشيخ موفق طريف في فلسطين لطلب النجدة من اسرائيل في حادث عرضي ومدان كان من الممكن بكل بساطة احتواؤه والسيطرة عليه (احتجاز اشخاص من بدو السويداء لشاب درزي وسرقة امواله)، ولكي يكون القارئ الكريم بصورة واقع الشيخ الهجري، فهو متقلب وانتهازي وكان حليفا قويا داخل الطائفة الدرزية في السويداء لنظام الاسد وبعد التغيير وعندما لم يجد له مكانة في النظام الجديد في سوريا حاول ابتزاز احمد الشرع الا ان الاخير اعتمد القيادة المعتدلة للدروز وهما الشيخ الحناوي والشيخ الجربوع، مما دفعه للتمرد ومواجهة دمشق واتخاذه من حادثة الشاب الدرزي فرصة لبث التفرقة والاستعانة «بدروز» موفق طريف الذي بدوره نجح في اعطاء نتنياهو المبرر لقصف دمشق بحجة حماية دروز السويداء رغم رفض الشيخين الحناوي وجربوع لتصرف الهجري ومليشياته المسلحة المدعومة ماليا وعسكريا من اسرائيل.
والسؤال ما هدف الاحتلال الاسرائيلي من كل ذلك؟؟
الهدف وبعد اعلان اسرائيل عدم السماح لاي وجود مسلح جنوبي سوريا واعتبارها منطقة عازلة هو جعل السويداء اقليما منفصلا عن سيطرة الدولة، وتوطئة لاتباع هذا النموذج في شمالي سوريا وفي الساحل، وهو ما يعني تقسيم سوريا لاربعة اقاليم سني فيه الدولة المركزية وعلوي وكردي ودرزي، فهل ينجح نتنياهو؟؟.
( الرأي)

قد يعجبك ايضا