السويداء على طريق التهدئة وسط تحولات إقليمية متسارعة ورسائل دولية متباينة
العقبة اليوم الإخباري – في تصعيد جديد يحمل مؤشرات خطيرة على اتساع رقعة المواجهة الإقليمية، شنّت إسرائيل سلسلة غارات جوية مكثّفة استهدفت مواقع عسكرية حسّاسة داخل العاصمة السورية دمشق ومحيطها، بما في ذلك مقر قيادة الأركان ومنطقة القصر الرئاسي، بحسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي. وقد أسفرت الضربات عن استشهاد شخص وإصابة 18 آخرين، وفق ما أعلنته وزارة الصحة السورية، وسط تنديد عربي ودولي وتحذيرات من مغبة الانفجار الشامل.
دلالات الضربات: رسائل متعددة الأبعاد
ترافقت الغارات الإسرائيلية مع تصريحات لافتة من الجيش الإسرائيلي، الذي برّر العملية بأنها تأتي “لحماية الدروز” في جنوب سوريا، مؤكداً أنه يعمل وفق “توجيهات المستوى السياسي” ويستعد لـ”سيناريوهات مختلفة”.
كما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن دخول قوات إسرائيلية إلى الأراضي السورية لإعادة دروز عبروا الحدود.
هذه التطورات تعكس محاولة إسرائيل استغلال الوضع الداخلي السوري المضطرب، خاصة في منطقة السويداء، لتعزيز نفوذها وخلق واقع ميداني جديد تحت غطاء “الحماية الإنسانية”، وهو ما اعتبرته الخارجية التركية “عملاً تخريبياً يستهدف جهود سوريا في تحقيق الأمن والاستقرار”.
الردود الدولية والإقليمية: دعوات للتهدئة وقلق من التصعيد
الضربات الإسرائيلية أثارت ردود فعل دولية، أبرزها من واشنطن، حيث أعرب وزير الخارجية الأمريكي عن “قلق بالغ” إزاء التصعيد، مشيراً إلى أن واشنطن تتواصل مع جميع الأطراف لوقف القتال. وكشفت مصادر أميركية لموقع “أكسيوس” أن إدارة ترامب طلبت من إسرائيل وقف غاراتها وفتح حوار مباشر مع الحكومة السورية، في مسعى لاحتواء التوتر.
من جانبها، أعربت لبنان عن رفضها للغارات، واعتبرها الرئيس اللبناني انتهاكاً لسيادة دولة عربية شقيقة، محذراً من أن استمرارها قد يؤدي إلى توتر إقليمي واسع.
تفاهمات داخلية في السويداء: الاتفاق على وقف إطلاق النار
وفي تطور ميداني بارز، أعلن شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء يوسف جربوع عن التوصل إلى اتفاق مع الدولة السورية لوقف شامل للعمليات العسكرية في المحافظة، مع دمج الحواجز الأمنية في مؤسسات الدولة. وأكد أن “أي اعتداء على الدولة السورية هو اعتداء علينا”، مشدداً على أن المبادرة تحظى بدعم واسع من أبناء الطائفة لأنها تكرّس الأمن وتمنع الاستغلال السياسي للملف الدرزي.
قراءة في المشهد: مرحلة مفصلية بين التهدئة والتدويل
تشير هذه الأحداث إلى أن الجنوب السوري بات على مفترق طرق، فمن جهة، تحاول إسرائيل استثمار حالة الغليان الشعبي في السويداء لفرض حضور أمني وسياسي مباشر تحت ذريعة حماية الدروز، ومن جهة أخرى، تبدي قوى إقليمية كتركيا، ودولية كالولايات المتحدة، حرصاً على عدم انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مفتوحة قد تمتد آثارها إلى لبنان والعراق وحتى الجولان المحتل.
كما أن إعادة إغلاق الممر الجوي الجنوبي في سوريا يعكس حالة الاستنفار الأمني، ويؤشر إلى احتمالية توسع الغارات أو الرد السوري ـ الإيراني في الأيام المقبلة.
الوضع في سوريا، خصوصاً في الجنوب، دخل مرحلة شديدة الحساسية. فإما تهدئة تقودها الوساطات الدولية، مدعومة بعودة مؤسسات الدولة إلى المناطق المضطربة، أو مواجهة مرشحة للتصعيد الإقليمي، عنوانها “حماية الدروز” وظاهرها “كسر النفوذ الإيراني”.
الأيام المقبلة كفيلة برسم المسار، لكن المؤشرات الحالية تدفع باتجاه اختبار جديد لاستقرار الإقليم ككل.