الأردن وصندوق النقد الدولي: المراجعة الرابعة كاختبار لمسار الإصلاحات
الأردن وصندوق النقد الدولي: المراجعة الرابعة كاختبار لمسار الإصلاحات
د. رعد محمود التل
بدأ صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع في عمّان المراجعة الرابعة لبرنامج الأردن ضمن “تسهيل الصندوق الموسع”، هذه المراجعة مهمة جدًا للأردن، لأنها لا تقتصر على فتح الباب أمام دفعة تمويلية جديدة بحوالي 134 مليون دولار، بل تعد أيضًا اختبارًا لمدى التزام الحكومة ببرامج الإصلاح وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة.
منذ توقيع الاتفاق في يناير 2024 بقيمة إجمالية 1.3 مليار دولار، حصل الأردن على ما يقارب 600 مليون دولار. ويؤكد الصندوق باستمرار أن البرنامج يسير “على المسار الصحيح”، وهو ما يعكس إدارة مستقرة نسبياً للاقتصاد الكلي، ومحاولات جادة لضبط الإنفاق، وإصلاحات تدريجية من منظور الصندوق. وبالنسبة للأردن، فإن استمرار دعم الصندوق لا يتعلق فقط بالحصول على تمويل، بل أيضًا ببناء ثقة المستثمرين والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي لما له من انعكاسات مهمه وخاصه على التصنيف الائتماني للأردن.
تأتي هذه المراجعة في وقت حقق فيه الاقتصاد معدل نمو قارب 2.7% بالربع الأول، مع بقاء معدل التضخم منخفضًا ومستقرًا. كما تجاوزت احتياطيات البنك المركزي 22 مليار دولار مع نهاية الشهر الماضي، ما وفر حماية جيدة ضد الصدمات الخارجية. في المقابل، يتوقع أن يبقى عجز الحساب الجاري عند حدود 6% من الناتج المحلي. هذه الأرقام تعكس قدرة الأردن على مواجهة بيئة إقليمية ودولية صعبة مليئة بالتحديات.
لكن التحديات الكبرى ما زالت قائمة وعلى الحكومة وبالذات الفريق الاقتصادي ان يرسم ملامح التعافي منها، فالدين العام يضغط بشدة على الموازنة، ويحد من قدرة الحكومة على زيادة الإنفاق الاستثماري. ورغم إشادة الصندوق بخطط ضبط النفقات وتقليل المديونية، فإن نجاح هذه السياسات يعتمد على التنفيذ المستمر لها. ويبقى خلق فرص العمل للشباب والنساء من أكثر الملفات إلحاحًا، لأن غياب تقدم ملموس فيه قد يضع الإصلاحات أمام ضغوط اجتماعية متزايدة.
يدعم هذه الإصلاحات اليوم برنامج جديد هو “تسهيل الصمود والاستدامة”، الذي أُقر في حزيران بقيمة 700 مليون دولار ولمدة 30 شهرًا. هذا البرنامج يختلف عن برامج الصندوق التقليدية لأنه يركز على بناء قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات طويلة الأمد. أولوياته تشمل: تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، تحسين إدارة قطاع المياه، تقوية المالية العامة والقطاع المالي، والاستعداد لمواجهة الجوائح. ويعد قطاع المياه تحديدًا تحديًا استراتيجيًا للأردن، وإصلاحه يمكن أن ينعكس إيجابًا على النمو والاستقرار.
إشادة الصندوق بالسياسات الاقتصادية تمنح الحكومة والمستثمرين ثقة أكبر، لكن الحفاظ على الزخم يتطلب إرادة سياسية وفهماً اقتصادياً عميقاً لتحديات المرحلة. فالمعادلة صعبة: ضبط الإنفاق من جهة، وتحفيز الاستثمار وخلق الوظائف من جهة أخرى. كما أن تقلبات أسعار الطاقة والتوترات الإقليمية تبقى عوامل خطورة حاضرة.
المراجعة الرابعة لا تمثل مجرد دفعة مالية جديدة، بل رسالة بأن الأردن مستمر في مسار الإصلاح، فنجاح الأردن في إظهار تقدم حقيقي في ضبط المديونية والإصلاحات الهيكلية وبناء القدرة على مواجهة الأزمات، سيعزز مكانتها كاقتصاد مستقر وسط منطقة مضطربة، ويوجهها نحو نمو شامل ومستدام على المدى الطويل.