قمة عربية في البيت الأبيض

فهد الخيطان

12

 

ليس ثمة تباينات كبيرة بين واشنطن والحلفاء العرب في المنطقة، حيال عديد الملفات في المنطقة. الدول العربية الفاعلة في المشهد، تتوافق مع مواقف إدارة ترامب حيال سورية ولبنان والعراق. أما بالنسبة لإيران، فإنها تفضل الحل الدبلوماسي، الذي تبنته إدارة ترامب في البداية، ثم تراجعت عنه بضغط حكومة نتنياهو.

الخلاف الجوهري الكبير بين الجانبين ينحصر بشكل رئيس في ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ليست غزة وحدها السبب، وإن كانت المحرك للتطورات، إنما مجمل الرؤية الأميركية المنحازة كليا لليمين الإسرائيلي المتطرف.
هذا الانحياز اللاعقلاني غير مسبوق في التاريخ الأميركي، إذ لم يسبق لإدارة أميركية أن تجاهلت المبادئ الأساسية للقانون الدولي والعلاقات الدولية على النحو الذي تفعله إدارة ترامب.
في العموم يتسم سلوك إدارة ترامب تجاه القوى الدولية والحليفة منها بطابع استعماري متعجرف. لكن في التعامل مع ملف الأزمة الحالية في غزة والضفة الغربية، تتنازل إدارة ترامب عن كبريائها ونهجها المتعالي في العلاقة مع الآخرين، لتبدو كطرف تابع ذليل يأتمر بتوجيهات حليف صغير ومتعب مثل حكومة نتنياهو. وتتجاهل تماما حزمة مصالحها الكبرى مع دول المنطقة، التي تجول ترامب في عدد منها بحثا عن صفقات اقتصادية ومنافع إستراتيجية، تجعل من أميركا عظيمة مرة أخرى كما يردد دائما.
بلغ الخضوع الأميركي لتعليمات نتنياهو حد الإذلال، فقد سارعت وزارة الخارجية الأميركية بالأمس إلى إلغاء تأشيرات الدخول للرئيس الفلسطيني والوفد المرافق لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في انتهاك صارخ لاتفاقية المقر لعام 1947 التي تلزمها السماح لممثلي الدول الأعضاء والمراقبة بالوصول إلى الأمم المتحدة.
هي محاولة من نتنياهو وإدارة ترامب لتعطيل الاجتماع الأممي المقرر لدعم حل الدولتين، والزخم الدولي المتمثل بقرار عشرات الدول الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة. وهذا بالطبع سلوك أخرق ويأس كما يعرف نتنياهو، لن يمنع الدول من عقد هذا الاجتماع سواء في نيويورك أو مكان آخر وفي الحالتين يستطيع الرئيس الفلسطيني المشاركة ولو بتقنية الاتصال المرئي.
إذا ما واصلت إدارة ترامب انحيازها الأعمى لمشروع المتطرفين في إسرائيل، فإن علاقاتها مع الشركاء العرب ستتضر بشكل كبير. لن تستطيع هذه الدول أن تتحمل نتائج الدعم الأميركي المطلق لسياسات إسرائيلية تقوم على الإبادة والتهجير والضم. ستأتي لحظة تنفجر فيها الأوضاع ولا يعود بمقدور واشنطن أن تحفظ ودها مع الحلفاء.
أعتقد أن الخيار البديل لتصاعد الأزمة الكامنة بين إدارة ترامب والحلفاء العرب، هو التفكير بعقد قمة عربية أميركية في أسرع وقت ممكن، لتفادي الإضرار الجسيم في العلاقات.
لقد تطورات الأحداث بشكل خطير في الأسابيع الأخيرة، وهي تنذر بتصاعد كبير في جرائم الإبادة في غزة، وخطر إقدام إسرائيل على قرار ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية، إضافة إلى إمعان إسرائيل في ممارسة سلوك مستفز في لبنان وسورية، في تحد صريح لسياسة ترامب الداعمة لحكومتي البلدين.
قمة تحمل رسائل واضحة وصريحة، ولتكن في البيت الأبيض، تجمع زعماء عرب فاعلين مع ترامب، هى المدخل لإعادة تعريف المصالح التي تجمع الطرفين، ووضع الموقف العربي من القضية الفلسطينية على طاولة الرئيس الأميركي، عوضا عن رسائل ينقلها مبعوثون، جلهم من أصدقاء نتنياهو.
لا ينبغي أن يترك تقرير مصير غزة لكوشنر وبلير، يرسمان خرائط الاستثمار هناك وكأن القطاع مشروعاعقاري لهما. فلنحاصر نتنياهو في البيت الأبيض ونفند أكاذيبه، ونقدم تصورا بديلا، وهو بالمناسبة جاهز ويحظى بتوافق عربي كامل.

الغد

قد يعجبك ايضا