اخطار لمن يهمه الأمر
اخطار
لمن يهمه الأمر
الأمم المتحدة في عيدها الثمانين
د.موسى بريزات
يوم2025/10/24 الذكرى الثمانون لانشاء منظمة الأمم المتحدة . وتحتم الاوضاع المتفجرة اقليميا ودوليا و الصراعات الدموية القائمة في الوطن العربي لا سيما حرب الابادة ضد غزة والازمات المتفاقمة ، وتهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتوسع عسكريا على حساب اكثر من ست دول في المنطقة تحتم هذه الأوضاع طرح السؤال التالي: اين الأمم المتحدة من هذه الصراعات والحروب الممتدة والازمات الدولية الحادة في معظم ارجاء الكوكب والتي تمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين بشكل صارخ؟لماذا تعجز المنظمة الاممية هذه عن القيام بأي دور فعال يرقى الى مستوى خطورة الازمات الدولية المشتعلة وكذا توقعات الجماهير؟
نظريا يوجد اكثر من إجابة على هذا التساؤل ،وجميعها تقع في حدود المنطق.
فالذي ياخذ ميثاق المنظمة الدولية منطلقا له لا يجافي الصواب اذا توصل الى القناعة بان الأمم المتحدة قد تخلت عن ولايتها التي نص عليها ميثاقها ، لا سيما حفظ السلم والامن الدوليين (مسؤلية مجلس الامن الأساسية ) وانها ربما قد فقدت مبرر وجودها على ضؤ ما تعانيه من الضعف ، لابل الشلل التام وعدم القدرة على التأثير في الاحداث العالمية شديدة الخطورةعلى الكوكب والاستقرارالعالمي.
ومن ينطلق في فهمه لدور هذه المنظمة من بنيتها ، لاسيما طبيعة العضوية فيها سوف يكتشف انها ليست كما يدعي المتحدثون باسمها ، وكما يوحي خطابها وادبياتها وحتى ما يرد في ديباج ميثاقها بإنها منظمة شعوب وامم وانها لاعب رئيسي للمجتمع الدولي والقانون الدولي .
فهي في حقيقة الامر منظمة اساس وجودها هي الدول التي تسعى وراء مصالحها كما تراها هي (لا كما ينطق بها أي جهة اخرى ) .
وبالتالي فإن الأمم المتحدة لا ليس باستطاعتها تجاوز الدول الاعضاء باي صورة كانت وعلى مستوى قد يؤثر في اي حدث او موقف ذي وزن او
تاثير ، وخاصة في مسائل تتعلق بالامن والسلام الدوليين ، والتوازنات السياسية.
وقد ينظر البعض الى دور الأمم المتحدة من مفهوم او فلسفة المنظمة الدولية ومبرر وجودها من حيث المبدأ والمتمثل بالعمل على تعزيز التفاهم والتعاون بين الدول ، وتيسير التوافق تاسيسًا لمصلحة مشتركة للبشرية بحفز الدول على التخلي طواعية عن جزء من سيادتها ،او اقناعها بعدم التمسك الصارم بهذا المبدأ من اجل بناء نظام انساني كوني يمارس فيه الأشخاص الحق في الكرامة الانسانية التي هي أساس فكرة ‘ النظام العام’ والعدالة الإجتماعية والمساواة بين الأمم والشعوب والأشخاص. هنا يمكن ان يلمس المراقب بعض الإنجازات المتواضعة في مجالات نزع الألغام الأرضية، والتنمية، والبيئة ، وحقوق الإنسان. وفي حال هذه الاخيرة اقتصرت إنجازات الامم المتحدة على نطاق وضع المعايير والمبادىء ؛ و مثل ذلك تحريم الحرب(باستثناءات محدودة-الدفاع عن النفس، والامن الجماعي ) ، وتعزيز دبلوماسية تعددية الاطراف.
غير ان هذه الانجازات المتواضعة للمنظمة الاممية لا يمكن ان تُبدد مشاعر الحيرة وحتى الغضب لدى الإنسان العربي تجاه المنظمة الاممية وما يوسم بالمجتمع الدولي او النظام العالمي عموما .فهذه الهيئات الدولية التي تبدو منزوعة الدسم تجاه عربدة إسرائيل هي ذاتها برهنت ان لها أسنان اذا ما كان الهدف النيلىمن الوطن العربي ، والإنسان العربي .
فعصبة الامم (1919) قوننت نظامي الانتداب – البريطاني والفرنسي – اللذان توليا تطبيق اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور .الاولى
اسست لتقطيع أوصال الامة وتفتيت المجتمعات العربية عبر حدود مصطنعة ودول مفروضة من الخارج لحساب مصالح الغرب الاستعمارية وتجاهل مصالح وحقوق وتطلعات وطموحات الشعوب العربية ؛ وما تزال ارتدادات هذه الاتفاقية تشكل الاجندة الاقليمية لصالح الغرب ،ناهيك عن ما نتج عنها من مأسسة الصراعات والحروب بين الدول العربية وداخلها ،حيث بدى الواقع العربي وكأن سايكس-بيكو قد ابرمت بالامس القريب .
واقدمت وريثتها، الأمم المتحدة، على تقسيم فلسطين1947( القرار181) ،واتبعت ذلك بالاعتراف باسرائيل فور انتهاء حرب 1948م رغم أنها تجاوزت على حدود قرار التقسيم المذكور بشكل كبير، لا بل منحت هذا الكيان المعتدي عضويتها هذه رغم أنها اغتالت مبعوث الأمين العام، الكونت برنادوت ، قبل أسابيع معدودة من بدء الحرب ، ونقضت إسرائيل تفاهم مع المنظمة يقضي بقبول قرار عودة اللاجئين (194 )لقاء تسيهل انظمامها للمنظمة الاممية دون ان تحرك ساكنا تجاه هذا الخداع المكشوف .الحقيقة ان سجل الامم المتحدة تجاه الحقوق العربية هو مخيب الآمال.
يقابل هذا التناقض الملازم لسلوك الامم المتحدة تجاه القضايا العربية مسألة ابلغ في الحيرة والألم وهو رد فعل الأمة على ازدواجية المعايير هذه وعلى ما تعرضت وتتعرض له هذه الامة من صفعات وضربات وخيبات امل على يد القوى الغربية على غير صعيد لاسيما تعطيل دور الامم المتحدة في كبح جماح إسرائيل ومحاسبتها لقاء جرائمها التي لا حدود لها .فلم يستوعب القادة العرب الدرس على مدى قرن وازيد من التامر والعبث والاذلال .
فالدول العربية ما تزال تتوسل على عتبات الامم المتحدة وفي اروقتها حلا عادلا للقضية الفلسطينية ، ووقفا للاستيطان الإسرائيلي ، ولجما لاعتداءات المتطرفين اليهود على الاقصى ، ومنعا لتهجير الفلسطينين من ارضهم و بيوتهم ، و..و..و..و
حتى ان بعضهم مايزال يراهن على ما يسمى بالمجتمع الدولي للجم عربدة نتنياهو وتهديداته .
والحقيقة أن الانظمة العربية لم تتخل عن خيارها المفضل بزيارة أعتاب المنظمة التي كانت الأداة بيد الدول لاستعمارهم كلما الم بهم خطبا للشكوى التي يعرفون ان لا جدوى منها اطلاقا .
هذه الحالة المذلة وهذا الهوان على النفس يحيّر المواطن العادي ويزيد من عمق الهوة بينه وبين الحكم في بلده . فلسان حال هذا المواطن العربي يقول طالما ان لدي دولة تمارس السيادة والرقابة وسن الضرائب والادعاء بحق استقطاب ولاء المواطنيين بكامل صور هذا الولاء ، واستيفاء الضرائب فلماذا اجد نفسي ضعيفا مهموما امام الاخرين باستمرار ، سيما الطامعين منهم، بغير خيارات تجاه اسرائيل؟
سؤال وجيه.
لماذا الدول العربية رغم امكاناتها القومية الهائله يستجدون الامن والحمايةالخارجية ولا يجدون ما يمكن ان يلجأوا اليه في حال حدوث طاريء او مفاجأة ؟
هل هذا الانكشاف الاستراتيجي امام الاعداء حتمي؟
هل للأمم المتحدة دور في هذا الضعف البنيوي للدول العربية؟
الإجابة بالإيجاب ، وان بصورة غير مباشرة. فاللجؤ الى هيئة تحديد دورها ليس بيدها ، بل بيد الخصم يجعل حال الدول العربية اشبه بمن يطلب البلسم من اسنان الحية. والحقيقة ان إدمان الدول العربية على الخيار الاممي هو محصلة لطبيعة بنية النظام السياسي الرسمي العربي . فهو بين فكي كماشة .فمن جهة تتحكم القوى الخارجية بالقرار العربي الرسمي على الصعيد الاستراتيجي، بينما تُعتبر هذه القوى هي مصدر التهديد الرئيسي للمصالح الحيوية للامة .ومن جهة أخرى لا تستطيع الانظمة العربية الاعتماد على مجتمعاتها طالما هي في علاقة تبعية لتلك القوى ذاتها منذ أن تاطرت مثل هذه العلاقة بموجب سايكس-بيكو قبل قرن ويزيد.
لذلك ستبقى الامم المتحدة بيد الغرب اداة استعمارية ضد الامة و حائط مبكى بيد العرب.