لماذا لا يرسل الأردن قواته إلى غزة؟
لماذا لا يرسل الأردن قواته إلى غزة؟
لن يرسل الأردن قوات عسكرية إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية، وربما يتوسع فقط فيالمستشفيات الميدانية، في ظل ظروف صعبة.
ليس من مصلحة الأردن إرسال قوات عسكرية إلى قطاع غزة لاعتبارات كثيرة؛ أولها أنالوضع في القطاع في غاية السوء، وأيّ تصوّر لدور خارج الدور السياسي والإنساني قدينقلب في لحظة ما إلى صناعة اتهام بتأسيس احتلال جديد من خلال قوات عربيةودولية تنفذ إرادة الأميركيين أو الإسرائيليين، فلماذا يجد الأردن نفسه وسط التراشقاتوالاتهامات بشأن الأدوار في القطاع، ومن يديره، ومن يرث من فيه، خصوصا، أن الوضعالمأساوي ما يزال مستمرا، والمشاريع السرية للسطو على الأرض والثروات، لم تعدسرا
العقدة الثانية ترتبط بالفوضى الأمنية وتوفر السلاح ووجود جماعات تابعة لجهاتإسرائيلية أو أجنبية، وهي جماعات لا يضمن أحد إطلاقها للرصاص على أي قوةموجودة، تنفيذا لأي أجندة، وهو أمر قد يتسبب بمقتل أعضاء في هذه القوات، مماسيفتح جبهات بديلة تؤدي إلى اشتباكات وانقسامات واتهامات متبادلة أيضاباستهداف مواطنين من دول ثانية قدموا لتثبيت حالة الأمن في القطاع في ظل هذهالظروف، ومن الطبيعي جدا أن يتجنب الأردن هنا هذه الاحتمالات.
أما السبب الثالث فيرتبط فيها بدور هذه القوات التي قد تجد نفسها مطالبة بتطهيرالقطاع من السلاح والتورط في دور وظيفي، أو الدخول في اشتباكات أمنية لأي سببكان مع الفلسطينيين أو التنظيمات، والأفضل بطبيعة الحال النأي بالنفس في ظلحساسيات قابلة للاستثمار بوجود أطراف عدة ستسعى إلى ذلك.
النقطة الرابعة تتعلق بعدم وضوح الصورة أصلا، فالحرب لم تتوقف أساسا، وهناكملفات سياسية واقتصادية وأمنية عالقة، والحصار على القطاع يشتد، وقتل الناسيتواصل، ومحاولة التجويع والتركيع تقود إلى اقتطاع مساحات من القطاع قد لا تخرجإسرائيل منها أصلا خصوصا في شرق القطاع أو شماله، والمشاركة ضمن قوات عربية أودولية قد ينعكس في لحظة وكأنه قبول ضمني لعملية تقسيم القطاع.
ما سبق بعض التصورات التحليلية التي لا تستند إلى مصدر معلومات رسمي لامتناعالأردن عن إرسال أي قوات إلى قطاع غزة، لكن المشكلة اللاحقة قد تكمن في توجهالأمم المتحدة لإصدار قرار بتشكيل هذه القوات على طريقة قوات حفظ السلام، وهوأمر يمكن التصرف معه، لأن المشاركة نهاية المطاف ليست إجبارية، ولا يجوز فرضهاأساسا، وبالتأكيد الأردن له حسابات مختلفة هنا.
وجود ممثل أردني ضمن فريق دولي لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة ، في مركزالتنسيق المدني العسكري عملية مختلفة جاءت لتسهيل نقل المساعدات الإنسانيةإلى القطاع، وربما ضمنيا تقييم الوضع الإجمالي في القطاع وليس توطئة لمشاركةبالقوات.
الملف الفلسطيني يفيض بالحساسيات، ونحن ندخل السنة الثالثة من الحرب وجسورالإمداد الإغاثي متوقفة من الأردن، ومخازن المؤسسات المحلية والدولية تواجهمشكلة هنا، وهذا يعني أن الاحتلال انقلب على الاتفاق، بعد أن استعاد الأسرى وهويدرك أصلا أن انتشال جثث القتلى الإسرائيليين بحاجة إلى شهور لإزالة الأنقاض أولا،وهو أمر قد لا يؤدي إلى نتيجة أصلا، لأن طبيعة الصواريخ والقنابل الإسرائيلية تسببتبتبخر الجثث وتفتيت المباني، فوق أن انقطاع الاتصالات داخل القطاع أدى إلى نقلإسرائيليين أحياء إلى مناطق ثانية دون إبلاغ جهة مركزية بموقعهم النهائي، علىافتراض أن الموقع النهائي بقي سالما ولم يتم تحويله إلى رماد في الهواء.
من ناحية أخلاقية لا أحد يسأل عن مصير عشرة آلاف فلسطيني استشهدوا تحتالأنقاض، وما يهم الغرب المنافق جثث الإسرائيليين.
الحرب مستمرة، وإن أخذت شكلا ثانيا من خلال العمليات المتقطعة نسخا للنموذجاللبناني، ومن الطبيعي وسط هذه التقييمات أن ينأى الأردن بنفسه، ويركز على الدورينالسياسي والإنساني، في قطاع غزة والضفة الغربية، وسط تقديرات تقول إن كلالمنطقة ما تزال على الحافة، وربما نشهد ما هو أصعب خلال الفترات المقبلة علىصعيد بقية الجبهات، بما فيها الضفة الغربية.
السياسة حافلة بالتقلبات وتغيير المواقف، لكن الأردن هنا ليس مضطرا أن يبدلموقفه هذا لاحقا. هذه مغامرة غير آمنة أبدا.الغد