الصناعة أولاً( ٢-٢)

11

الصناعة أولاً(٢-٢) الدكتور رعد محمود التــل

تواصل الصناعة الأردنية تعزيز موقعها في الاقتصاد الوطني، ليس فقط من خلال الإنتاجوالتشغيل، بل أيضاً عبر دورها المالي والاستثماري. فقد تصدّر القطاع الصناعي النموفي بورصة عمان بنسبة 42 بالمئة، مستحوذاً على 40 بالمئة من القيمة السوقيةللشركات المدرجة، وهي مؤشرات تعكس ثقة المستثمرين المحليين والأجانب فياستدامة أرباح الصناعة الأردنية، وتجعلها أحد الأعمدة الرئيسية لسوق رأس المال فيالمملكة.

وتتجسد مركزية القطاع الصناعي في المضي بتنفيذ مشاريع استراتيجية لخفض كلفالإنتاج وتعزيز التنافسية. فقد باشرت الحكومة إيصال الغاز الطبيعي إلى خمس مدنصناعية ضمن خطة تغطي جميع المدن خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو مشروعمن شأنه تقليص كلف الطاقة، أحد أهم التحديات التي تواجه الصناعة. كما ضخصندوق دعم الصناعة تمويلاً تجاوز 65 مليون دينار استفادت منه 630 شركة صناعية،ما ساهم في توسيع الإنتاج والأسواق والتشغيل. وكم ستكون القفزة نوعية ومختلفة لوتحولت هذه الصناديق إلى بنك إنمائي مخصص لدعم الصادرات والصناعة.

لكن التحول الأهم في الصناعة الأردنية لا يقف عند حدود الدعم أو التوسع الكمي، بليمتد إلى البنية التقنية. فقد ارتفعت مساهمة الصناعات متوسطة وعالية التقنية من10 إلى نحو 25 بالمئة من القيمة المضافة خلال العقدين الماضيين، ما يشير إلى تحولجوهري نحو إنتاج ذي محتوى تكنولوجي مرتفع. هذا التطور يحفّز على المزيد منالاستثمار في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والتصنيع الدائري، بما يتماشى معمستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي لخفض الاعتماد على الطاقة المستوردة بنسبة20 بالمئة بحلول عام 2030.

كما أن التوسع في الأسواق الخارجية يعكس التغير في البنية الإنتاجية. فالصادراتالصناعية الأردنية تصل اليوم إلى أكثر من 150 سوقاً حول العالم، بعد نمو بنسبة 39 بالمئة منذ جائحة كورونا. هذا الانتشار، إذا ما تم توجيهه بذكاء، سيعزز وجود المنتجالأردني في الأسواق الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية، ويقلل الاعتماد على الأسواقالتقليدية. وهنا يبرز دور تنويع المنتج وتطوير الهوية الصناعية لتصبح عبارة “صُنع فيالأردن” دليلاً على الجودة والتنافسية.

ولا يمكن تجاهل الأثر الكلي لهذا التحول على الاقتصاد الوطني. فالصناعة تسجّل اليومأعلى مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بين دول المنطقة بنسبة تقارب 25 بالمئة،وتساهم بـ40 بالمئة من النمو الكلي. كما بلغ عدد المنشآت الصناعية نحو 18 ألفمنشأة، ما يتيح توزيعاً جغرافياً أكثر توازناً للنشاط الاقتصادي. ومع ما يمتلكه الأردن منرأس مال بشري نوعي ومرتبة عالمية متقدمة في العمالة الماهرة، فإن التحول نحواقتصاد معرفي متكامل بات في متناول اليد.

كل هذه المؤشرات تضع الصناعة الأردنية في موقع استراتيجي على خريطة التحديثالاقتصادي، فهي الرابط بين الإصلاح والنمو والعدالة الاجتماعية. ومع استمرار التحولنحو التصنيع الذكي والطاقة النظيفة، يمكن للصناعة أن تكون قصة نجاح وطنيةحقيقية تجسد رؤية التحديث الاقتصادي في مئوية الدولة الثانية.

قد يعجبك ايضا