فهم الرئيس للسياحة: من نمو الأعداد إلى صناعة القيمة المضافة

د. رعد محمود التـل

43

يشهد القطاع السياحي في الأردن خلال عام 2025 تباينًا واضحًا بين النمو الكمي وطبيعة العوائد الاقتصادية، فقد ارتفع عدد الزوار في الأشهر السبعة الأولى بنسبة 15.6% ليصل إلى نحو 4 ملايين زائر مقارنة بـ3.4 ملايين في الفترة نفسها من العام الماضي، موزعين بشكل رئيسي بين إخواننا العرب (قرابة مليوني زائر)، الأوروبيين (500 ألف)، والآسيويين (150 ألف). وفي المقابل، سجّل الدخل السياحي نموًا نسبته 11.9% في النصف الأول ليصل إلى 3.7 مليار دولار، مع توقعات ببلوغه 7.7 مليار دولار بنهاية العام.

غير أن هذا النمو لم يكن متوازنًا، إذ جاء بالأساس من السياحة العربية والخليجية والمغتربين الأردنيين، وهم فئات أقل إنفاقًا على المنتج السياحي مقارنة بالسياح الأوروبيين والأميركيين الذين تراجعت أعدادهم بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة. وبهذا، يظهر القطاع في صورة مزدوجة: ارتفاع أعداد الزوار والإيرادات من جهة، وتحديات مرتبطة بنوعية السياحة وتوزيع العوائد على مختلف مناطق المملكة من جهة أخرى، خصوصًا في الجنوب حيث يتركز 60% من المنتج السياحي الأردني.

لذلك أصبح من الضروري اعتماد نهج اقتصادي مبتكر في القطاع، يركز على رفع متوسط إنفاق السائح وإطالة مدة الإقامة، مع تنويع الأسواق السياحية للحد من المخاطر الناتجة عن الأزمات الإقليمية. بالاضافة الى حزمة مشاريع تنموية تسهم وبالذات في المناطق السياسحة كالبحر الميت والمغطس والعقبة وجرش وعجلون وغيرها من وجهات سياحية وريفية في خلق فرص عمل محلية وتنشيط الاقتصاد في المحافظات، ما يعزز التنمية المحلية ويقلل الفوارق بين المناطق. كما أن دعم الطيران منخفض التكاليف وتحسين المعابر يسهم في زيادة الحركة السياحية وتقليل تكلفة الوصول، مما يعزز قدرة القطاع التنافسية. بهذا وأكثر يتحول القطاع السياحي من مصدر دخل موسمي إلى رافعة اقتصادية مستدامة ترفع العوائد الضريبية وتدعم الاقتصاد الوطني ضمن رؤية التحديث الاقتصادي.

أمام هذه الصورة، جاءت المداخلة المميزة لرئيس الوزراء جعفر حسان في جلسة قطاع السياحة ضمن الجلسات القطاعية الأخيرة في رئاسة الوزراء، لتضع خارطة طريق استراتيجية مؤطرة برؤية التحديث الاقتصادي لإعادة التوازن وتعزيز استدامة القطاع. فقد أكد الرئيس على دعم الطيران منخفض التكاليف وإعادة العمل لتشغيل مطار ماركا ضمن إدارة موحدة للمطارات، ما يتيح مزيدًا من الرحلات الجوية ويخفض كلفة الوصول، بالاضافة الى أهمية تحسين المعابر البرية خصوصًا مع بوادر تحسن الحركة الإقليمية عبر سوريا لتعزيز السياحة البرية وخلق قيمة اقتصادية جديدة للمناطق الحدودية.

كما ركز رئيس الوزراء على تطوير الوجهات السياحية الرئيسة، مثل البحر الميت الذي سيشهد مشاريع تنموية وحيوية، وموقع المغطس بدعم منحة إماراتية بقيمة 70 مليون دولار، لتعزيز مكانة الأردن على خريطة السياحة الدينية العالمية. ولإثراء التجربة السياحية، يجري العمل على مشاريع مبتكرة منخفضة التكلفة لكنها ذات أثر كبير، مثل إنشاء تلفريك في وسط عمّان وآخر في قلعة الكرك، وإقامة منتجع بيئي ريفي في جرش بالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.

أبدى الرئيس اهتمامًا خاصًا بمدينة العقبة من خلال استكمال المشاريع العالقة وتعزيز التعاون مع السعودية لتنظيم فعاليات سياحية مستدامة، وإعادة تشغيل فندق البترا بالتعاون مع الضمان الاجتماعي. كما شدد على تطوير قطاع المطاعم في عمان وتحسين النظافة والخدمات في المرافق العامة السياحية، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في تجربة السائح وانطباعه عن الوجهة.

تمثل هذه المشاريع والسياسات استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل السياحة الأردنية، فهي تسعى إلى تنويع الأسواق المستهدفة، تحفيز الاستثمارات في وجهات جديدة، وتوزيع العوائد على مختلف مناطق المملكة. وبهذا يصبح القطاع السياحي ليس مجرد محرك للنمو الاقتصادي، بل رافعة للتنمية المحلية وتعزيز مكانة الأردن كوجهة سياحية آمنة ومستدامة. إن نجاح هذه الخطة يعتمد على رفع متوسط الإنفاق السياحي وتوزيع الفوائد بشكل عادل على الأقاليم، ما يحول السياحة من قطاع موسمي حساس للصدمات إلى رافعة اقتصادية مستقرة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي.

قد يعجبك ايضا