موازنة 2026 … بين الاستدامة المالية وتحفيز النمو الاقتصادي

د. محمد أبو حمور

41

تشكل موازنة عام 2026 علامة فارقة باعتبارها تتزامن مع بدء البرنامج التنفيذي للمرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي للأعوام 2026 – 2029 الذي سيتم إنجازه خلال الصيف الحالي وتوظيفه في إعداد الموازنة العامة، وأكد التعميم الأولي لاعداد مشروع قانون الموازنة ضرورة الالتزام بمتطلبات تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام والتحديثات التي تمت عليها، وفي حال تم النجاح في تحقيق التناغم المطلوب بين الموازنة والرؤية فسوف يشكل ذلك رافعة هامة للسير قدماً في تنفيذ البرامج والمشاريع التي سوف تساهم في رفع نسبة النمو الاقتصادي وتحسين ظروف معيشة المواطنين.
رغم الظروف غير الملائمة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة الا أن الوتيرة الجادة في تنفيذ الاصلاحات عززت قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات وأتاحت مواصلة تحقيق نسب نمو ايجابية والمحافظة على نسب تضخم متدنية والحفاظ على ثبات سعر صرف العملة المحلية ومراكمة احتياطيات كافية من العملات الأجنبية الامر الذي ساعد على تحقيق استقرار اقتصادي نسبي واستدامة مالية، وفي خضم تسارع وتيرة الجهود المبذولة لاعداد موازنة العام 2026 من المهم العمل بشكل حثيث لتنفيذ المشاريع الكبرى وتسخير الموارد المالية المتاحة ضمن الأولويات التي تنعكس ايجاباً على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين وتطوير البنية التحتية وصولاً الى تعزيز جودة الحياة، وكذلك تحسين إدارة الإنفاق العام عبر تقليص الهدر وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، وانتهاج سياسات مالية تساعد على تمكين القطاع الخاص، وتنمية الصناعات الوطنية، وتحفيز البيئة الاستثمارية وتوليد فرص عمل مستدامة .
يعد النجاح في تحقيق الاستدامة المالية عنصراً محورياً في تمتين استقرار الاقتصاد الوطني ويعزز منعته، ولهذه الغاية لا بد من استمرار العمل لتنفيذ إصلاحات مالية شاملة، بما في ذلك تحسين كفاءة الانفاق العام وتوجيهه نحو الأولويات وتحسين آليات استهداف المستحقين للدعم وتقليص أعباء خدمة الدين العام وتطوير السياسات الضريبية، وتعزيز الشفافية والمساءلة في الإدارة المالية وتطوير آليات لقياس الأداء المالي، وتوفير موارد تمويل مناسبة لانجاز المشاريع الرأسمالية، كما لا بد من تحقيق توازن وتكامل بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية والتأكد من انسجامها مع ما يطرأ من تغيرات ومستجدات على الساحتين المحلية والعالمية مع مراعاة التطورات التكنولوجية والاستفادة منها لتحقيق الانجازات في أسرع وقت وبأقل كلفة ممكنة.
ضبط مسار الموازنة العامة وتحقيق الاستدامة المالية المعززة للنمو الاقتصادي لا بد وأن تبدأ بادراك التحديات الأساسية والمصاعب المزمنة التي تعاني منها المالية العامة، بما في ذلك ارتفاع أعباء خدمة الدين العام وارتفاع نسبة الانفاق الجاري وسوء الادارة الذي تعانيه بعض المؤسسات، وارتفاع نسبة الضرائب غير المباشرة مقارنة بباقي بنود الايرادات العامة وعدم تغطية الايرادات المحلية للنفقات الجارية وتواضع الحيز المالي المتاح للنفقات الرأسمالية، وهذه التحديات تتطلب ضبط عجز الموازنة العامة وتحسين ادارة واستخدامات الدين العام، ومواصلة تعزيز الادارة الضريبية عبر تحسين الامتثال ومكافحة التهرب والتجنب الضريبي وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة، ورفع منسوب الدقة والكفاءة والفاعلية للقرارات التمويلية ومواصلة العمل على تحديث القطاع العام، كما يشكل ترشيد الانفاق وتوجيهه لتحقيق الاهداف التي تلبي احتياجات المواطنين وتحسن البنية التحتية وتطور القطاعات ذات الابعاد التنموية وتدعم المؤسسات الصغيرة والناشئة وتشجع الابتكار، مقدمة هامة لجذب وتحفيز الاستثمارات ورفع الانتاجية وتحسين مستوى الدخل وتوليد فرص عمل مستدامة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص وتمكينه من قيادة النمو الاقتصادي خاصة اذا تم بناء شراكة حقيقية وفاعلة بين القطاعين العام والخاص، وكل ذلك سينعكس ايجاباً على تحسين الايرادات وتمتين دعائم الازدهار الاقتصادي.
رغم الوعي بالتحديات التي تواجه المالية العامة الا أن هناك فرصة حقيقية للعمل بشكل متزامن لتحقيق الاستدامة المالية للموازنة العامة ورفع نسبة النمو الاقتصادي عبر اعتماد اجراءات محددة ومؤطرة زمنياً للتعامل مع التحديات بهدف تقليص اثآرها السلبية خلال السنوات القادمة، وتعزيز جوانب القوة التي تتيح استثمار الفرص، في اطار شراكة فاعلة ومساهمة مجتمعية واسعة تساهم في تحسين التشريعات والأطر المؤسسية للمالية العامة وضمان تطبيقها وفق أفضل المعايير وبما يساهم بشكل عملي في تحسين البيئة الاستثمارية ومعالجة العوائق البيروقراطية.

قد يعجبك ايضا