الفنان فارس عوض .. رحل ولم نذكره!

41

الفنان فارس عوض .. رحل ولم نذكره!
عبدالحافظ الهروط
أول المقصرين بحق فنان الأردن الراحل فارس عوض، رحمه الله، هو كاتب هذه السطور الذي زامله في مدرسة لب الإعدادية.
المواهب “مطفوسة” لأن مدارس القرى، لا يريد الأهالي من أبنائهم سوى الدراسة، حتى الرياضة كانوا يرونها مضيعة للوقت وعلى حساب ما يحتاجه الأهل من مساعدة في أعمالهم.
كنت أتنفس الرياضة، وتحديداً كرة القدم والكرة الطائرة، ولكن صوت فارس عوض ظل ينساب كما لو يأتي من بعيد ولا نسمع إلا الصدى، فالفنان في ذاك الزمان محكوم عليه بـ ” العيب”، وإلا لماذا لم تكن للإذاعة الأردنية والتلفزيون الأردني “كشافة” يجوبون المملكة ليكتشفوا كم لدى الأردن مواهب، تحتاج للصقل والاحتراف الفني الراقي؟.
ترافقنا، فارس وأنا، في تلك المرحلة لقضاء بعض الوقت، وكانت ذات ليلة عندما قدمنا وعلى أقدامنا، من قرية مليح إلى قرية لب التي نسكنها، حينها أطلق رفيق الصبا والدراسة، العنان لصوته العذب، بأغان خليجية للراحل طلال مداح ومحمد عبده، في حين كنت أرد عليه في مجاراة، بأغان طغى عليها مواويل العتابا التي كنت اسمعها من الذين صدحت حناجرهم بها، وما أكثرهم، وقد تأثرت بها وبهم.
ولأن الرغبة كانت مخنوقة في نفْس فارس وأنفاسه، والموهبة كادت تتفجر في صدره، ذهب الى الإذاعة، ليقول: أنا لدي صوت تستطيعون إطلاقه عبر الأثير، فيما لو كنت مكانه وأملك صوت فارس، لقلت دون تردد :أنا الذي تبحثون عنه.
تفرقت بنا السبل، فجمع بين الدراسة الجامعية والغناء، حيث صار فارس من رواد مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الأردني، وأقصد ظهوره على الشاشة ونسمعه عبر الأثير، فيما أنا التحقت بصحيفة الرأي وطالباً بالجامعة الأردنية.
ما من لقاء جمعنا، بعد شهرته، إلا وأشاد فارس بكاتب الأغنية وملحّنها، وما هو إلا صوت، ينكر به جهده وينسب الفضل لأهله وللمؤسسة التي رعته، وهذا ما جعله بعيداً عن الغرور.
والحقيقة وكما سمعتها من زميل لي في صحيفة “الرأي” كان يشرف على الصفحة الفنية حيث قال ” فارس يتعب على نفسه، ويذهب إلى هذه الدولة، وتلك، يغنّي، ويأتي بأغنية جديدة ولحن جديد، ومع ذلك أصرّ فارس على اللهجة الأردنية والغناء للوطن والجيش وعمان، والتراث الأردني”.
دخلت إلى “الرأي” قبيل العصر، وإذ بالزملاء يقولون “يسلم راسك”!.
استغربت السؤال، وذهب تفكيري بعيداً، فقالوا “فارس عوض توفي بحادث سير”، فلم أُصدّق، ولكن تأكد لي، وقد ألصقوا الخبر على الصفحة الفنية، في أثناء عملية الإخراج، فكان صدمة لي، أفقت منها بعد وقت من مواساة الزملاء.
لا ادري، لماذا لم أسمح لنفسي، بالمشاركة في “جنازة الصديق” ولا بتقديم العزاء لوالديه وأبنائه وذويه، إذ اعتبرت نفسي ممن يتلقون التعزية، فقمت بكتابة قصيدة تجمع بين الرثاء ومسيرته الفنية وعلاقته مع محبّيه، ومررتها لأستاذي وصديقي، مدقق اللغة العربية في “الرأي”، الاستاذ سلامة جدعون، وهو الذي تربطني به علاقة عميقة، ومهنية وعشق اللغة، فقام بتنقيحها بجمال المفردات والإبداع والإيقاع، مقدراً الظرف الذي أنا فيه، فقلت له “يا أُستاذ أبو مازن، أنا لست شاعراً، ولكني أُحب الشعر ، وأشعر به في مثل هذه المناسبات، وتلك التي تفرض علينا وعلى الأمة، وقْعَ العبارة ووجع الكلمة”.
يأتي الكلام اليوم متأخراً سنين طويلة، ولكن ذكريات الأحبة عادة ما تعنّ على البال في أي جلسة أو مناسبة، وهو الراحل في أيلول للعام ١٩٨٦، حيث تمر الأعمار مر السحاب.
رحمك الله يا صديقي فارس، ورحمك الله يا استاذي، أبا مازن”.

قد يعجبك ايضا