مآلات التفاوض بين المقاومة و”إسرائيل”: ثلاث فرضيات لا رابع لها
مآلات التفاوض بين المقاومة و”إسرائيل”: ثلاث فرضيات لا رابع لها
راكان السعايدة
ليس أمراً هيناً تقدير توقعات ومآلات المفاوضات الجارية في مصر بين المقاومة و”إسرائيل”، لأن لكل طرف اعتباراته وحساباته الدقيقة، وربما المصيرية.
وفوق ذلك، هناك الحسابات الأميركية التي تسعى إلى الموازنة بين مصالحها في المنطقة ومصالح “إسرائيل” بوصفها الحليف الاستراتيجي والقلعة المتقدمة في الشرق الأوسط.
لكن هذا لا يمنع من محاولة قراءة المشهد عبر مناقشة ثلاث فرضيات ممكنة، وإن كان من الصعب ترجيح إحداها على الأخرى، بسبب حالة الغموض والحسابات الدقيقة والمتناقضة.
الفرضية الأولى: أن تفشل المفاوضات عند الدخول في التفاصيل الحساسة، خصوصاً المتعلقة بنزع سلاح المقاومة، وكل سلاح قطاع غزة، وجدولة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وطبيعة الحكم فيه.
هذه قضايا خلافية، والاتفاق عليها يعني ببساطة أن طرفاً انتصر والآخر هُزم. فعلى سبيل المثال، إذا وافقت المقاومة على نزع سلاحها، وقبلت بكل تفاصيل هذا الجانب، فستعده “إسرائيل” انتصاراً، وتصبح المقاومة، ومعها القطاع، في حالة انكشاف كامل أمام العدو.
ولأن خطة ترامب لا تعدو كونها “فخاً” تدركه المقاومة، فإن ردها على هذه الخطة كان حذراً وذكياً، وقدمت ما تقبله أصلاً؛ الإفراج عن الأسرى، وأن يحكم القطاع تكنوقراط فلسطينيون.
وحين سكتت المقاومة عن باقي تفاصيل الخطة ولم تقدّم منها موقفاً، وتركت ذلك للتفاوض، قدر سياسيون إسرائيليون أن المقاومة رفضت الخطة واقعياً، بعدما كان ترامب يقول بوضوح للمقاومة: إما أن تقبلوا أو ترفضوا، والخطة غير قابلة للتفاوض.
عملياً، هذا لم يحدث.. لم تجب المقاومة طلب ترامب، إذ قبلت جزءاً وعلقت موقفها من أجزاء أخرى للتفاوض، فبدا أن ترامب قبل مجبراً صيغة المقاومة، وأجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على القبول بمبدأ التفاوض.
المهم أن اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو، ونتنياهو شخصياً لأسبابه الخاصة، لا يريد اتفاقاً، لكنه خضع لضغط ترامب على أمل أن يحدث خلافاً عميقاً في المفاوضات كي يحمل المقاومة مسؤولية الفشل.
بذلك يعود للحرب، وأيضا يعيد تموضع كيانه عالمياً بعد الانتقادات الرسمية الغربية والغضب الشعبي العالمي متذرعا بإفشال المقاومة لخطة ترامب.
الفرضية الثانية: أن تنجح المفاوضات ويتمكن الطرفان من إيجاد صيغ توافقية تلبي قدراً من أهدافهما، مثل نزع السلاح الهجومي للمقاومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية بإشراف دولي، وجدولة الانسحاب من القطاع، وتدفق المساعدات وبدء الإعمار.
هذه الصيغة ممكنة، لأنها لا تتضمن نزعاً كاملاً لسلاح المقاومة، بل جزئياً، وتلغي فكرة مغادرتها القطاع وفكرة التهجير أساساً، وتلبي أيضاً، ولو على مدى زمني طويل نسبياً، مسألة الانسحاب وإعادة الإعمار، فضلاً عن وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال العالم وفرملة قطار التطبيع.
هنا يمكن لكل طرف أن يقول إنه انتصر وحقق جزءاً من أهدافه.
الفرضية الثالثة: وهي الفرضية التي يمكن منحها قدراً من الواقعية، أن يتم الاتفاق على المرحلة الأولى، والتي تقتصر على تبادل الأسرى. وبعد تحرير “إسرائيل” لأسراها تكون قد تخلّصت من أكبر أزماتها الداخلية ومن عبء ثقيل، ويصبح بمقدورها أن تتذرع بأي سبب لمواصلة العدوان على القطاع.
تصبح هذه الفرضية أكثر واقعية إذا أضفنا أمراً آخر، وهو أن ترامب قد لا يريد أكثر من تحقيق هدفين: تحرير الأسرى ونيل جائزة نوبل للسلام.
هذا أمر ربما وارد جداً في ذهن ترامب وإدارته، وأن “إسرائيل” تتجاوب معه في مسألة التفاوض ليحقق كل منهما هدفه؛ ترامب يريد نوبل، و”إسرائيل” تريد أسراها.
الفرضيات الثلاث أعلاه لا رابع لها، وأقربها للمنطق الفرضية الثالثة، وهو ما يجب على وفد المقاومة المفاوض أن يتحسب له، ولا أظنه سيقبل بأن يجرد نفسه من أقوى أوراقه، وهم الأسرى، دون أن يحصل على ضمانات حقيقية لتنفيذ مطالبه وشروطه.
أخيراً، فإن نتنياهو وفريق حلفائه المتطرفين من أمثال سموتريتش وبن غفير، إذا اضطروا لتسوية توقف الحرب في قطاع غزة، فسيذهبون إلى تصعيد كبير في الضفة الغربية.. بمعنى أن “إسرائيل” لن تتوقف عن إنفاذ مخطط الضم وفرض السيادة هناك.
الخشية من أن يكون الجميع، المقاومة والدول العربية الداعمة لخطة ترامب، قد وقعوا في فخ نُسق بين أميركا و”إسرائيل”، يحصل فيه ترامب على نوبل، والكيان على أسراه، ومن بعد ذلك فلتحترق المنطقة، لأن تغيير وجه الشرق الأوسط على المقاس الأميركي والإسرائيلي لم يكتمل بعد.