تحية احترام لرجل الأمن المدرسي

رغد البطيخي

63

“سيدتي… أرجوكِ، ممنوع الوقوف هنا.”
عبارة قالها رجل أمن يقف على بوابة إحدى المدارس، يؤدي عمله بكل التزام، فإذا بها تُشعل غضب إحدى السيدات التي لم تتقبل التنبيه، فانهالت عليه بكلمات جارحة وكأنّه اقترف جريمة.
لكنه ردّ بكل أدب واحترام:
“هذا هو عملي، وإذا لم أقم به سأُحاسب من قبل إدارة المدرسة. أرجوكِ… لا تُسبّبي لي مشكلة معهم.”

مشهد قد يبدو عابرًا، لكنه يتكرر كثيرًا في محيط مدارسنا، حيث يواجه رجال الأمن ضغوطًا كبيرة يوميًا، بسبب محدودية مواقف السيارات، كثافة أعداد الطلاب، تنقّل الحافلات، وتفاوت أعمار الطلبة.
ورغم كل هذه التحديات، يعملون بصبر وبجهد متواصل، دون كلل أو ملل، فقط لكسب لقمة العيش بكرامة.

لكن السؤال هنا: هل يستحقون الصراخ في وجوههم؟
هل من العدل أن نُحمّلهم مسؤولية الاكتظاظ أو تأخر أحد الطلاب، وهم مجرد موظفين ينفذون التعليمات؟

يقول أحدهم:

“الناس نوعان: منهم من يفهم أنني أؤدي عملي، ويتعاون بلطف عندما أطلب منه عدم الوقوف في مكان مخصص لحافلات المدرسة أو ممرات الطلبة، ومنهم من يغضب ويبدأ بالصراخ، وكأنني أنا من وضعت هذه القوانين.
كل يوم أفكر في ترك هذا العمل، لكن ظروفي المادية الصعبة تمنعني.”

ورغم الأجور المتواضعة، تجدهم واقفين لساعات في الشمس الحارقة أو برد الشتاء القارس، فقط لتأمين وصول أبنائنا إلى صفوفهم بأمان.

منهم من يحمل شهادة جامعية، لم يجد وظيفة في مجاله.
ومنهم من أُحيل على التقاعد، لكن راتبه لا يكفي، فاضطر للعمل مجددًا.
ومنهم شاب لم يُكمل دراسته بسبب ظروف أسرته… وغيرهم كثير، جميعهم يشتركون في هدف واحد: العمل الشريف لتأمين متطلبات الحياة.

المؤلم في الأمر أن بعض أولياء الأمور يتعاملون معهم بفوقية، بل وأحيانًا بإهانة، متناسين أن الاحترام لا يُقاس بالموقع الوظيفي، بل بالإنسانية والتقدير.

وهنا يجب أن نسأل أنفسنا:
ماذا سيتعلم أبناؤنا إذا رأوا آباءهم وأمهاتهم يصرخون على رجل أمن يؤدي عمله؟
هل سنغرس فيهم احترام القانون والنظام؟ أم الاستخفاف بمن لا يملك سلطة؟
أليس من واجبنا أن نطلب من أبنائنا أن يحترموا كل من يعمل في المدرسة، ويستمعوا لتعليمات من يسهر على سلامتهم؟

ولأن المشكلة لا تقتصر على السلوكيات الفردية، بل تمتد إلى الجوانب التنظيمية، فمن الضروري أن تقوم المدارس بعدة خطوات لمعالجة هذه الفوضى اليومية، ومنها:

تنظيم دورات تدريبية لرجال الأمن في كيفية إدارة الغضب والتعامل مع أولياء الأمور باحترافية.

توسيع الكراجات المخصصة للاصطفاف قدر المستطاع، وخاصة في المدارس الخاصة، التي ترتفع أقساطها بشكل كبير، ويبلغ في كثير من الأحيان مستوى يذكّرنا بالمثل الشعبي “بقرة جحا”، دون أن ينعكس هذا الارتفاع على جودة التنظيم أو مرافق الوقوف.

كثير من هذه المدارس تقوم بتوسعة مبانيها على حساب المساحات الخارجية، مما يؤثر سلبًا على المواقف المتوفرة، ويزيد من الازدحام.

وضع لوحات إرشادية واضحة عند مداخل ومخارج المدرسة، تحدد أماكن الوقوف، ومسارات عبور الطلبة، ومواقع الحافلات.

تخصيص مشرف إضافي في أوقات الذروة لمساعدة رجل الأمن وتخفيف الضغط عنه.

علينا أن نعلم جميعًا أن رجل الأمن المدرسي ليس مجرد موظف واقف على البوابة، بل هو حارس أمن، وموجّه، ومنظّم، وسند لأبنائنا.
فهو أول من يستقبلهم صباحًا، وآخر من يودّعهم عند الانصراف.
فهل يُعقل أن نقابله بالصراخ

دعونا نكون قدوة لأبنائنا في الاحترام، والامتنان، والتقدير.
فمن يعمل بصمت لأجل سلامة أولادنا…
يستحق منا كل التحية.

قد يعجبك ايضا