الحزب وعقل القبيلة ..

المحامي: بدر الهروط

85

في كل تجارب العالم تأتي الأحزاب من رحم الحالة الوطنية بحيث تتوافق نخب وقوى وطنية هنا وهناك حول الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهم البلاد، وتكون الطبقة الوسطى هي الفاعل المهم في الدولة والمجتمع، فهي التي تضم الخبرات والكفاءات والقوى الاجتماعية والسياسية، وبعدها يأتي الإطار القانوني والسياسي لينظم ويهندس الحياة الحزبية التي تعد إحدى أدوات صنع القرار السياسي في الدولة، فالحياة الحزبية تأتي من اختمار الأفكار ونضوجها في الطبقات المؤثرة.

جاء قانون الانتخاب لفرض الحالة الحزبية بقوة القانون كأحد صيغ الإصلاح السياسي، بحيث تتحول مقاعد البرلمان تدريجياً على المدى المتوسط لصالح القوائم الحزبية على حساب مكونات اجتماعية أصيلة وعلى حساب جغرافيا لها خصوصيتها، هذه الصيغة كانت تهدف ومتوقع منها أن تُحدث تغييراً سياسياً في صناعة الطبقة السياسية وأن تتحول الحالة الحزبية إلى حالة اجتماعية بديلة، وأن تكون أداة لتفكيك القوى السياسية الصلبة في المجتمع الأردني خصوصاً العشيرة والعائلة والهوية الإقليمية، ولصناعة مجاميع سياسية ضمن أطر حزبية تجمعها المصالح والمنافع ضمن برامج سياسية.

العجز الحزبي …
عجزت الحالة الحزبية أن تتحول إلى حركة وطنية متمدنة ومتقدمة، وعجزت أن تعبر عن مصالح الدولة الأردنية وهموم المجتمع، ولا زالت قاصرة عن تمثيل كلي للمكونات المجتمعية وخصوصية الجغرافيا، ولم تستوعب تمثيل هوية الأردنيين الدينية والقومية في إطارها الوطني، لكن على ما يبدو أن الحالة الحزبية الأردنية لا زالت تراوح مكانها وهي في حالة فك وتركيب مستمر وحالات انتقال كما هي مواسم انتقال محترفي كرة القدم في الدوري الأوروبي.

يفترض أن الحالة الحزبية هي التي تهيئ الرأي العام حول القضايا الوطنية والإقليمية وأن ترفع من حالة الوعي العام وأن تساهم في النضج الوطني وأن تكون هي النموذج في الالتزام بالقانون واحترامه، وأن تمارس الديمقراطية في عملها الحزبي خصوصاً في انتخاباتها الداخلية وفي انتخاب مرشحيها للبرلمان، وليس أن يتحول المقعد الحزبي لمناقصة أو عطاء عام، لكن الحالة الحزبية لا زالت قاصرة عن إحداث تقدم يُذكر رغم أن الصوت والصورة بيدها تحت قبة البرلمان وفي مجلس الوزراء.

الحزب والشخصية الوطنية …
قصّرت الأحزاب عن استقطاب شخصيات وطنية بمسيرة مهنية نظيفة، فهناك كثير من الشخصيات الوطنية التي أثبتت جدارتها أثناء الخدمة العامة، فأعلت فكرة الكفاءة، وأن العمل الوظيفي يكون لصالح المؤسسة الوطنية وليس ولاء شخصياً للمسؤول.

في حين أن سلوك بعض القوائم الحزبية النيابية استخدم الكتلة البرلمانية وسيلة لتوزير بعض قياداتها على أسس ومعايير شخصية وليست على أسس برامجية أو مهنية، وعلى اعتبارات المحاصصة والهويات الفرعية، باعتبار أن الموقع العام مكسب ومدخل لنادي الوزراء وليس من باب المسؤولية الوطنية.

كما غاب عن فكر القوائم الحزبية النيابية ضرورة وجود تحالف سياسي واجتماعي واسع يضمن تنفيذ أي رؤية أو مشروع سياسي وطني، أقل ما يمكن في بعض الملفات التي عليها إجماع أردني خصوصاً البرنامج الاقتصادي المتمثل في مناقشة الموازنة العامة، وفي فرض اعتراف حكومي منهجي بأن الاقتصاد يُبنى بالاعتماد على التصنيع الذاتي وتنمية الموارد المحلية وحماية الصناعة الوطنية، وأن القطاع الخاص هو الذي يصنع فرص العمل وينمي المواهب والقدرات.

الحزب وعقل القبيلة …
الحزب الأردني هو شكل آخر من أشكال عقلية القبيلة القائم على استجلاب الأعوان والعصبة والأصهار والاستبداد بالرأي وإقصاء الآخر والنزعة الفردية والفروسية القائمة على مشهد الرجل الواحد، فالحزب كرّس فكرة سلطة الأمين العام ورئيس الحزب أو رجل الحزب أو الراعي المالي، بالمقابل فإن القبيلة والعائلة لديها من القيم والموروثات ذات قيمة ومضمون ومعنى وإنتاجية، فهي تعلي من شأن الإيثار والكرم والشجاعة وخدمة المجموع والصدق وأن المال لا يصنع الرجال.

لا زالت الحالة الحزبية عاجزة وقاصرة عن إقناع الأردنيين بالتخلي عن العشيرة والقبيلة والانتماء الإقليمي والفرعي لصالح الوافد الجديد (الحزب) وإن حقق بعض الأفراد منافع شخصية، لكن يبقى الحزب وسيلة لرفعة القبيلة وخير أبنائها سواء كانوا محافظين أو ليبراليين أو غيرها من المسميات.

الحالة الحزبية تفترض أن يتحول الحزب إلى مؤسسة مدنية وواقعية، لها أثر على المجتمع والدولة فكراً وعملاً من خلال نشاط أفرادها وأعضائها والنشاط العام للحزب لتحقيق قيم ومصالح وأهداف مشتركة تُحدث تغييراً هاماً في الحياة العامة، وليس وسيلة للوصول إلى السلطة لتحقيق المكاسب الخاصة. نعم، وفقاً للقانون سيكون التمثيل حزبياً لكن لن يكون هناك حالة حزبية.

قد يعجبك ايضا