لماذا تستهدف إسرائيل الصحفيين في غزة؟
هاني الهزايمة
في كل حرب، تكون الحقيقة الضحية الأولى. وفي غزة، يتجلى ذلك بوضوح، حيث استهدفت إسرائيل الصحفيين بشكل ممنهج وقيدت التغطية الإعلامية منذ بداية الحرب. تعرض الصحفيون المحليون والدوليون لنيران مباشرة وغارات جوية واعتقالات ومنع متعمد من الوصول. هذه ليست أضرارًا جانبية، بل سياسة مدروسة.
تدرك إسرائيل أن السيطرة على الرواية لا تقل أهمية عن السيطرة على ساحة المعركة. ففي غزة، حيث دفعت المجاعة والنزوح الجماعي والقصف المتواصل السكان إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، يمثل الصحفيون خط الدفاع الأخير عن الحقيقة. إسكاتهم يعني خوض حرب في الظلام، بعيدًا عن التدقيق والمساءلة.
الصحفيون في غزة ليسوا مراقبين بعيدين، بل يعيشون بين الأنقاض، وينقلون المشهد من المستشفيات المكتظة بالجرحى، وغالبًا ما يدفعون حياتهم ثمنًا لذلك. وبحسب منظمات حرية الصحافة، باتت غزة من أخطر الأماكن على الصحفيين في التاريخ الحديث. قُتلت عائلات بأكملها من الصحفيين، ودُمرت منازلهم رغم معرفة مواقعهم مسبقًا.
لا يمكن اعتبار ذلك مصادفة. الرسالة واضحة: توثيق جرائم الحرب بحد ذاته جريمة في نظر إسرائيل. بقتل الشهود، تقلل من فرص التحقق المستقل، وتلقي بعبء الحقيقة على الروايات الرسمية ووسائل الإعلام المتعاطفة معها في الخارج.
ما تكشفه سياسة استهداف الصحفيين هو أكبر مخاوف إسرائيل: الفضح. فالتغطية المستقلة تقوض صورتها المصاغة بعناية كدولة ديمقراطية تدافع عن نفسها. الصور غير المفلترة للأطفال الجائعين والمقابر الجماعية والمخيمات المدمرة، تُسقط خطابها الدعائي في ثوانٍ.
تزدهر إسرائيل حين تُختزل الحرب في شعارات عن “الأمن” و”مكافحة الإرهاب”. لكن عندما ينقل الصحفيون للعالم مشاهد الأحياء المدمرة وقوافل المساعدات المستهدفة وانتشار المجاعة، تنهار روايتها تحت وطأة الأدلة.
لا يقتصر الأمر على استهداف الصحفيين المحليين، بل يشمل أيضًا منع الصحافة الدولية من دخول غزة. وعلى عكس أوكرانيا، حيث يتمتع الإعلام العالمي بحرية وصول واسعة، تبقى غزة مغلقة. يضطر الصحفيون إلى الاعتماد على روايات منقولة أو على زملائهم الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم. هذه الازدواجية ليست عرضية، بل متعمدة.
لطالما استثمرت إسرائيل بكثافة في إدارة صورتها الإعلامية في الخارج. يتم تضخيم روايتها عبر وسائل إعلام متعاطفة، بينما تُشوَّه الأصوات المعارضة وتُتهم بالتحيز أو معاداة السامية. بقمع التقارير المستقلة من غزة، تضمن أن يبقى الرأي العام الغربي مستهلكًا لمعلومات مُفلترة.
إن استهداف الصحفيين لا يهدد غزة وحدها، بل حرية الصحافة عالميًا. فإفلات إسرائيل من المحاسبة يفتح الباب أمام حكومات أخرى لشن الحروب في الظلام، بلا شهود ولا مساءلة. وقد حذرت منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” ولجنة حماية الصحفيين والأمم المتحدة من هذا الخطر، لكن المساءلة لا تزال غائبة.
إسرائيل تراهن على أن الغضب سيتلاشى وأن التحالفات الجيوسياسية ستوفر لها الحماية. والنتيجة هي استمرار القتل وتعميق التعتيم الإعلامي، بينما تتكشف كارثة إنسانية بلا توثيق كافٍ: مجاعة، قتل جماعي، وتهجير قسري.
استهداف الصحفيين ليس جريمة ضد الأفراد فقط، بل هو جريمة ضد الحقيقة نفسها. فكل صحفي يُسكت يعني شاهدًا أقل على مأساة غزة. وكل منع للتغطية الإعلامية يضيف طبقة جديدة من الإفلات من العقاب. في هذه الحرب، تبدو الكاميرات مهددة لإسرائيل بقدر الصواريخ، لأنها تخترق ضباب الدعاية.
لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتًا. حماية الصحفيين يجب أن تُعتبر خطًا أحمر، يُفرض عبر الضغط الدبلوماسي والقانوني. كما تقع على المؤسسات الإعلامية العالمية مسؤولية أخلاقية ومهنية: المطالبة بالوصول، تكريم تضحيات زملائهم في غزة، ورفض التواطؤ في إسكات الحقيقة.
تستهدف إسرائيل الصحفيين في غزة لأنها تدرك أن الحرب لم تعد مجرد مواجهة عسكرية مع فصائل مسلحة، بل حربًا على رواية كاملة وعلى مجتمع بأسره. ومن خلال إسكات من ينقلون المعاناة، تسعى إلى طمس الأدلة والهروب من العدالة.
لكن الحقيقة لا تُمحى. كل تقرير مُكبوت، وكل كاميرا مُصادرة، وكل صحفي شهيد، يُضاف إلى ذاكرة جماعية ستبقى شاهدة. قد يُجبر العالم على الصمت الآن، لكن التاريخ سيسجل ليس فقط تدمير غزة، بل التدمير المتعمد لمن حاولوا نقل قصتها.
تدرك إسرائيل أن السيطرة على الرواية لا تقل أهمية عن السيطرة على ساحة المعركة. ففي غزة، حيث دفعت المجاعة والنزوح الجماعي والقصف المتواصل السكان إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، يمثل الصحفيون خط الدفاع الأخير عن الحقيقة. إسكاتهم يعني خوض حرب في الظلام، بعيدًا عن التدقيق والمساءلة.
الصحفيون في غزة ليسوا مراقبين بعيدين، بل يعيشون بين الأنقاض، وينقلون المشهد من المستشفيات المكتظة بالجرحى، وغالبًا ما يدفعون حياتهم ثمنًا لذلك. وبحسب منظمات حرية الصحافة، باتت غزة من أخطر الأماكن على الصحفيين في التاريخ الحديث. قُتلت عائلات بأكملها من الصحفيين، ودُمرت منازلهم رغم معرفة مواقعهم مسبقًا.
لا يمكن اعتبار ذلك مصادفة. الرسالة واضحة: توثيق جرائم الحرب بحد ذاته جريمة في نظر إسرائيل. بقتل الشهود، تقلل من فرص التحقق المستقل، وتلقي بعبء الحقيقة على الروايات الرسمية ووسائل الإعلام المتعاطفة معها في الخارج.
ما تكشفه سياسة استهداف الصحفيين هو أكبر مخاوف إسرائيل: الفضح. فالتغطية المستقلة تقوض صورتها المصاغة بعناية كدولة ديمقراطية تدافع عن نفسها. الصور غير المفلترة للأطفال الجائعين والمقابر الجماعية والمخيمات المدمرة، تُسقط خطابها الدعائي في ثوانٍ.
تزدهر إسرائيل حين تُختزل الحرب في شعارات عن “الأمن” و”مكافحة الإرهاب”. لكن عندما ينقل الصحفيون للعالم مشاهد الأحياء المدمرة وقوافل المساعدات المستهدفة وانتشار المجاعة، تنهار روايتها تحت وطأة الأدلة.
لا يقتصر الأمر على استهداف الصحفيين المحليين، بل يشمل أيضًا منع الصحافة الدولية من دخول غزة. وعلى عكس أوكرانيا، حيث يتمتع الإعلام العالمي بحرية وصول واسعة، تبقى غزة مغلقة. يضطر الصحفيون إلى الاعتماد على روايات منقولة أو على زملائهم الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم. هذه الازدواجية ليست عرضية، بل متعمدة.
لطالما استثمرت إسرائيل بكثافة في إدارة صورتها الإعلامية في الخارج. يتم تضخيم روايتها عبر وسائل إعلام متعاطفة، بينما تُشوَّه الأصوات المعارضة وتُتهم بالتحيز أو معاداة السامية. بقمع التقارير المستقلة من غزة، تضمن أن يبقى الرأي العام الغربي مستهلكًا لمعلومات مُفلترة.
إن استهداف الصحفيين لا يهدد غزة وحدها، بل حرية الصحافة عالميًا. فإفلات إسرائيل من المحاسبة يفتح الباب أمام حكومات أخرى لشن الحروب في الظلام، بلا شهود ولا مساءلة. وقد حذرت منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” ولجنة حماية الصحفيين والأمم المتحدة من هذا الخطر، لكن المساءلة لا تزال غائبة.
إسرائيل تراهن على أن الغضب سيتلاشى وأن التحالفات الجيوسياسية ستوفر لها الحماية. والنتيجة هي استمرار القتل وتعميق التعتيم الإعلامي، بينما تتكشف كارثة إنسانية بلا توثيق كافٍ: مجاعة، قتل جماعي، وتهجير قسري.
استهداف الصحفيين ليس جريمة ضد الأفراد فقط، بل هو جريمة ضد الحقيقة نفسها. فكل صحفي يُسكت يعني شاهدًا أقل على مأساة غزة. وكل منع للتغطية الإعلامية يضيف طبقة جديدة من الإفلات من العقاب. في هذه الحرب، تبدو الكاميرات مهددة لإسرائيل بقدر الصواريخ، لأنها تخترق ضباب الدعاية.
لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتًا. حماية الصحفيين يجب أن تُعتبر خطًا أحمر، يُفرض عبر الضغط الدبلوماسي والقانوني. كما تقع على المؤسسات الإعلامية العالمية مسؤولية أخلاقية ومهنية: المطالبة بالوصول، تكريم تضحيات زملائهم في غزة، ورفض التواطؤ في إسكات الحقيقة.
تستهدف إسرائيل الصحفيين في غزة لأنها تدرك أن الحرب لم تعد مجرد مواجهة عسكرية مع فصائل مسلحة، بل حربًا على رواية كاملة وعلى مجتمع بأسره. ومن خلال إسكات من ينقلون المعاناة، تسعى إلى طمس الأدلة والهروب من العدالة.
لكن الحقيقة لا تُمحى. كل تقرير مُكبوت، وكل كاميرا مُصادرة، وكل صحفي شهيد، يُضاف إلى ذاكرة جماعية ستبقى شاهدة. قد يُجبر العالم على الصمت الآن، لكن التاريخ سيسجل ليس فقط تدمير غزة، بل التدمير المتعمد لمن حاولوا نقل قصتها.