بيان غزة: في مواجهة مشروع “إسرائيل الكبرى”

سائد كراجة

67

إن مقاربة مشروع “إسرائيل الكبرى” من خلال تصريحات نتنياهو الأخيرة تبسيط مخلّ بجوهر الخطر. فهذا المشروع لم يولد من زلة لسان أو خيار حزب أو رئيس حكومة، بل هو رؤية عقائدية متجذرة في الفكر الصهيوني منذ هرتزل وجابوتنسكي و”الجدار الحديدي”، وصولاً إلى توظيف البُعد الديني للصهيونية الدينية بعد عام 1967. المشروع عقيدة دولة تبنّتها كل الحكومات الإسرائيلية، يمينية كانت أم يسارية، عبر أداة الاستيطان الممنهج. ومن هنا، فإن حديث نتنياهو ليس انحرافاً، بل امتداد طبيعي لمسار استراتيجي طويل يقوم على التوسع والعدوان.

تقدر مساحة “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات حوالي 450 ألف كيلومتر مربع، أي ما يوازي مساحة العراق تقريباً أو نصف مساحة مصر اليوم. لكن أمام هذا الطموح الجغرافي تقف معضلة حقيقية: أعداد اليهود في العالم لا تكفي لملء هذه الرقعة، مهما تضاعفت موجات الهجرة أو توسّع الاستيطان. وهنا يظهر أن جوهر المشروع لا يقوم بالضرورة على إحلال سكاني كامل، بل يركّز على وجود يهودي صلب ومكثّف في قلب فلسطين التاريخية، ويدفع المحيط الإقليمي ـ من سورية ولبنان إلى الأردن والعراق ـ نحو التفتيت والصراعات الطائفية والإثنية، ليصبح طوقاً هشاً يحمي “المركز الإسرائيلي”.
‎هذه الرؤية تفسر السياسات الإسرائيلية المتعاقبة: من تكريس الاستيطان كأداة سيطرة مستمرة، إلى محاولات دفع الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية، خاصة إلى الأردن، بما يجعل المملكة مهددة في هويتها ووجودها. الأردن، بموقعه وتاريخه، يتحول إلى هدف محوري في سياق تصفية القضية الفلسطينية عبر فكرة “الوطن البديل”. وهنا تتجلى خطورة المشروع على الأمن القومي العربي ككل، إذ إن زعزعة استقرار الأردن تفتح الباب أمام موجات من  الفوضى قد تمتد إلى سورية والعراق والخليج.
‎وللتذكير، فإن إسرائيل نسفت اتفاقيات السلام الثنائية، ورفضت كل المبادرات العربية، وعلى رأسها مبادرة 2002، بل وأعلنت صراحة أن قيام دولة فلسطينية خطر وجودي عليها. وها هو نتنياهو يتباهى بتعطيله لمشروع الدولة الفلسطينية. هذا يكشف أن المشروع الصهيوني يتجاوز لغة المفاوضات والاتفاقيات، وأن التوسعية الإسرائيلية لا ترى في العرب شركاء بل فراغاً مكانياً وبشرياً قابلاً لإعادة التشكيل حسب هواها.
‎من هنا، لم يعد مجدياً الاكتفاء بالتحليلات أو التذكير بالمخاطر. الرد الحقيقي يجب أن يتحول إلى برنامج عمل واضح يعبّر عن إرادة الشعوب العربية ويترجمها إلى خطوات ملموسة في السياسة والإعلام.
‎ونقترح في هذا الصدد الأسس التالية: سحب الاعتراف بإسرائيل التي خرقت القانون الدولي وإسقاط شرعية قبولها عام 1948، والتحرك على المستوى الأممي لطردها أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة وفضحها كدولة فصل عنصري، إلى جانب ملاحقتها قانونياً على جرائم الاستيطان والتهجير، وأيضا وقف مسار التطبيع وتجريمه سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتفعيل منظومة الدفاع العربي المشترك لمواجهة أي تهديد ناتج عن مشروعها التوسعي، مع إجراءات اقتصادية ضاغطة ومنسقة عبر المنظمات الدولية. وإلى جانب ذلك، لا بد من إطلاق حملة إعلامية وثقافية تفضح هذا المشروع وتعيد إحياء الموروث النضالي في الوعي العام، من خلال المناهج والإعلام والثقافة.
‎وإذا كان الرد الرسمي العربي صعب المنال اليوم، فإننا ندعو إلى مؤتمر عربي شعبي يضم ممثلي القوى الشعبية والمثقفين وقادة الرأي، لتبني هذه الأسس وليشكل منصة دائمة لإسناد ودعم مواقف الدول العربية الرسمية، وتوحيد الموقف الشعبي العربي في مواجهة المشروع الصهيوني.
‎ختاماً، إن مواجهة مشروع “إسرائيل الكبرى” لا تقتصر على الرد السياسي أو القانوني، بل تتطلب أيضاً إعادة بناء الداخل العربي على أسس الحرية والديمقراطية وسيادة القانون. فهذه هي الضمانة الحقيقية لوحدة المصالح القومية العربية. أما الاستبداد والتجزئة فهما التربة التي يتغذى منها المشروع الصهيوني، بينما الوعي الشعبي المنظم، والتكامل العربي، وترسيخ قيم التنوير والديمقراطية، فهي السدّ الذي يوقف التوسع ويمنح الشعب الفلسطيني والأردن والأمة العربية كلها قوة الصمود والانتصار، اللهم قد بلغت جنابك.

الغد

قد يعجبك ايضا