صراعات وضغوط سياسية تعيد رسم أولويات الشرق الأوسط وأوروبا
كتب: محرر الشؤون السياسية
تتجه بوصلة الأحداث الدولية نحو مزيد من التعقيد، حيث تتقاطع ملفات غزة وأوكرانيا والشرق الأوسط مع تحولات أوسع في المشهد الدولي.
ففي غزة، يتواصل التصعيد العسكري الإسرائيلي مع مؤشرات على اتساع العمليات، في وقت تسجّل فيه الأمم المتحدة مستويات غير مسبوقة من التدهور الإنساني، التقارير الصادرة عن وكالاتها تكشف عن مستشفيات مكتظة تتجاوز طاقتها الاستيعابية، أبرزها مجمع ناصر الطبي، ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات، إلى جانب ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال.
هذه الصورة القاتمة تأتي متزامنة مع قرار الحكومة الإسرائيلية زيادة الإنفاق الدفاعي، ما يعكس نية واضحة للاستمرار في العمليات العسكرية وتحويلها إلى مسار طويل الأمد.
القراءة التحليلية لهذا المشهد تشير إلى أن الجمع بين ضغط إنساني قياسي وخطة توسعة عسكرية يضاعف المخاطر، ويقلّص فرص أي تسوية قريبة داخل غزة، بينما تظل كلفة الحرب السياسية والاقتصادية في تصاعد.
أما على الجبهة الدبلوماسية الكبرى، فتبدو الأزمة الأوكرانية أمام منعطف محتمل مع إعلان البيت الأبيض أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق على المضي إلى مرحلة جديدة لترتيب لقاء مباشر مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وسط ترجيحات أن تكون بودابست مسرحًا للقاء.
ورغم استبعاد واشنطن أي نشر لقوات برية أميركية، فإن ما يتشكل في الكواليس هو لجنة ثلاثية أميركية–أوروبية–أوكرانية تبحث صياغة ضمانات أمنية، قد تشمل إسنادًا جويًا أميركيًا وفق تقارير متقاطعة بينها “أكسيوس”.
الاتحاد الأوروبي من جانبه يواصل الإعداد لحزمة جديدة من العقوبات ضد موسكو، فيما تصرّ رئيسة المفوضية الأوروبية كاجا كالاس على أن الضمانات الأمنية لأوكرانيا يجب أن تكون أكثر صلابة.
ومن شأن عقد لقاء بوتين–زيلينسكي أن يعيد رسم معادلات الحرب والدبلوماسية في أوروبا، غير أن طبيعة الضمانات وحدودها ستحدد إن كان الأمر سيؤدي إلى وقف إطلاق النار أو مجرد هدنة مؤقتة.
إقليميًا، فجّرت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تحدث فيها عن ما يسمى “إسرائيل الكبرى” موجة من التنديد العربي والإسلامي، اعتُبرت تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي وتحديًا صارخًا للقانون الدولي.
هذا الخطاب التصعيدي يرفع منسوب التوتر في المنطقة ويضعف أي فرص لتقدم مسارات التطبيع أو التهدئة، فضلًا عن كونه يمنح خصوم إسرائيل أوراقًا إضافية لتعبئة الرأي العام داخليًا وإقليميًا.
في السياق نفسه، تنشط تركيا على خط اتصالات موازٍ مع واشنطن، إذ تناولت مباحثات رفيعة بين الطرفين ملفات أوكرانيا وسوريا وغزة، في إشارة إلى محاولة أنقرة تكريس دورها كوسيط مؤثر قادر على التحرك بين موسكو وكييف وواشنطن في آن واحد، هذا الدور مرشح للاتساع بما قد ينعكس أيضًا على ملفات حساسة مثل سوريا وغزة.
في موازاة ذلك، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر محذرة من ارتفاع غير مسبوق في الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني خلال العام 2025، مع تسجيل الوضع في غزة باعتباره الأسوأ.
هذه التحذيرات تؤكد أن أي تسوية مستقبلية لن تكون قابلة للحياة إذا لم تتوافر بيئة آمنة لعمل وكالات الإغاثة وتنفيذ برامج إعادة الإعمار، ما يعني أن الحلول السياسية والعسكرية وحدها لن تكفي من دون ضمانات ميدانية حقيقية لحماية المدنيين.
وعلى الضفة الأخرى من العالم، تواصل بؤر التوتر إظهار هشاشة النظام الدولي، حيث قُتل ما لا يقل عن 27 شخصًا في هجوم استهدف مسجدًا شمالي نيجيريا، في حادث يذكّر بعمق التحديات الأمنية التي تواجه القارة الأفريقية وسط تراجع الموارد المتاحة لمكافحة العنف المسلح.
وفي آسيا، تبرز إشارات تقارب مدروس بين الهند والصين، يجري تسويقه تحت عنوان “التقدم المستمر”، لكنه في جوهره يعكس سباق تموضع دبلوماسي في ظل التحولات الجارية في النظام العالمي.
خلاصة هذه الاتجاهات تؤكد أن غزة تقف على أعتاب مرحلة أشد قسوة عسكريًا وإنسانيًا مع تمويل إضافي للحرب من الجانب الإسرائيلي وضغط أممي متصاعد، بينما تقترب أوكرانيا من نافذة دبلوماسية غير مضمونة لكنها الأقرب منذ أشهر، رهينة شكل الضمانات وموقع أوروبا منها.
وفي المقابل، يزداد تصلب البيئة الإقليمية العربية بعد جدل “إسرائيل الكبرى”، بما يضعف زخم أي اندماج اقتصادي أو مسارات تهدئة في المدى القريب.