التدريب ومواكبة الجهود الإصلاحية

د. محمد أبو حمور

61

في إطار الجهود المبذولة لرفع نسبة النمو وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتوفير مزيد من فرص العمل، واقتناص الفرص التي توفرها الثورة التكنولوجية الراهنة، يبرز التدريب كإحدى الأدوات القادرة على إحداث فرق في القدرة على مواكبة المستجدات والاستفادة منها.

فالتدريب، بمفهومه المجرد، يعني اكتساب معرفة إضافية وتطوير مهارات وسلوكيات جديدة تمنح الفرد القدرة على استيعاب المتغيرات الفنية والتكنولوجية والتكيف معها. وبذلك، فهو يساهم في زيادة الإنتاجية، وتحسين جودة العمل، ورفع مستوى الرضا الوظيفي، وتعزيز الانتماء لبيئة العمل.

ويمكن للتدريب المُعَدّ جيداً أن يساهم في تقليص نسب البطالة من خلال تزويد الباحثين عن العمل بالمهارات المطلوبة، والحفاظ على استدامة الوظائف عبر رفع مستوى الإنتاجية. ولا شك أن تطوير المهارات لتلبية احتياجات سوق العمل يتطلب إعداد دراسات دقيقة لتحديد المهارات المطلوبة، ومن ثم تصميم برامج خاصة تلبيها، مع التركيز على المهارات الفنية والتقنية الحديثة التي تؤهل الشباب للاستفادة من الفرص المتاحة في السوق، مع الحرص على توفير فرص للتعلم المستمر والتطوير المهني لتمكين الأفراد من مواكبة التطورات.

ولمواكبة الجهود الرامية إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي، من المهم توجيه البرامج والخطط التدريبية نحو القطاعات الواعدة التي تنمو بوتيرة متسارعة، وعلى رأسها القطاع التكنولوجي الذي يتطلب تعزيز المهارات في مجالات التحول الرقمي، والأمن السيبراني، ومختلف ميادين التكنولوجيا الحديثة. ويستدعي ذلك دعم ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على الابتكار، وصولاً إلى تأسيس مشاريعهم الخاصة.

ولغايات النجاح في الاستفادة من التدريب والتأهيل كرافعة تنموية، من المهم تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال إشراك أصحاب العمل في تصميم وتنفيذ البرامج التأهيلية بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل، مع الحرص على أن يساهم القطاع الخاص في توفير فرص التدريب العملي لتمكين الشباب من اكتساب الخبرة اللازمة، وبناء علاقات تعاونية لتنفيذ مبادرات تدريب مشتركة بين المؤسسات التعليمية والمهنية ومؤسسات القطاع الخاص.

وفي إطار خطة تحديث القطاع العام، وعلى وقع تسارع المعرفة والثورة التكنولوجية، لا بد من وضع رؤية واضحة للتدريب والتأهيل تساهم في تطوير مهارات الموظفين ورفع مستوى كفاءتهم وإنتاجيتهم وتحسين أدائهم، بما يتيح تقديم خدمات أفضل للمواطنين والمستثمرين، ويؤدي إلى تحسين كفاءة إدارة الأنشطة الحكومية، وتعزيز التفاعل بين مؤسسات القطاع العام، ورفع منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية.

ورغم التحديات التي تواجه التدريب والتأهيل المهني والفني في ظل التغيرات المتسارعة في سوق العمل، إلا أنه يحظى بأهمية خاصة نظراً لقدرته على استيعاب ديناميكيات التطور وتلبية احتياجات السوق بالقوى البشرية المؤهلة. وينبغي النظر إلى هذا التوجه كاستراتيجية أساسية لتحقيق التنمية، ومحرك لاستيعاب التطور ومواكبة التغير واستثمار الطاقات لتحقيق الطموحات.

إن التدريب والتأهيل أداة مهمة لمواجهة التحديات التي يشهدها عالم اليوم، والارتقاء بمنظومة الأداء المؤسسي القادرة على تحويل الخطط والطموحات إلى إنجازات، ووسيلة لتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ورفع كفاءة القوى العاملة وتعزيز مهاراتها. وخلاصة القول: المستقبل للمهارات، لا للشهادات، على أهميتها.

(الرأي)

قد يعجبك ايضا