
الاستراتيجية العربية للحوكمة الرقمية .. إلى أين؟!!
الشبول: المشروع جهد أُردني يهدف إلى إنصاف المحتوى العربي تجاه فلسطين.
النوايسة: اجتماع للجنة الفنية لاستكمال الخطوات الإجرائية.
هل يطلق الأردن تطبيق “تصريح معلن”؟
العقبة اليوم – في خطوة تعكس التحرك العربي نحو استعادة السيادة الرقمية وحماية المحتوى العربي والمحلي، برز الأردن لاعبًا رئيسيًا في صياغة وتفعيل الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولية وكبريات منصات التواصل الاجتماعي، والتي أقرها مجلس وزراء الإعلام العرب بالإجماع في يونيو 2023.
وكان الأردن قدم الاستراتيجية في اجتماع المكتب التنفيذي للمجلس في الرباط، حيث لقيت موافقة بالإجماع من الوزراء العرب، لتصبح أول وثيقة عربية شاملة لتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي والبث الرقمي في المنطقة.
هذه الاستراتيجية التي جاءت تتويجًا لجهود أردنية بدأت منذ الدورة الثانية والخمسين للمجلس في القاهرة عام 2022، حين كُلّفت المملكة بإعداد إطار قانوني وتنفيذي عربي يهدف إلى إنصاف المحتوى العربي وصون الحقوق الرقمية للدول الأعضاء، وفي مقدمتها حماية القضية الفلسطينية من سياسات الحذف والتهميش على المنصات الدولية.

وزير الاتصال الحكومي السابق، فيصل الشبول، أكد لـ“العقبة اليوم”، أهمية المشروع الذي تبناه الأردن، وقال إن طرح الاستراتيجية العربية للتعامل مع شركات الإعلام الموحدة وكبريات وسائل التواصل الدولية، يهدف إلى إنصاف المحتوى العربي وفي مقدمته القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن الاستراتيجية تهدف للحفاظ على العائدات المالية وخاصة التي تدخل على وسائل الإعلام.
ولفت إلى أن الإعلانات التي نشرت في ذاك الوقت بلغت 81 مليونا و149 ألف دينار، وهذا ما أكده البنك المركزي عام 2022 بخروج هذه القيمة المالية من السوق الأردني، وإن ما يصرف على الإعلانات على وسائل الاتصال في الدول العربية بلغ نحو 4 مليارات دولار.
وأكد الشبول أن هذا جهد أردني، عمل إلى جانبه وزراء الإعلام العرب لدول السعودية ومصر والعراق والإمارات وتونس والمغرب وممثلون من جامعة الدول العربية.
وأشار إلى الجانب الآخر من الاستراتيجية الذي يهدف إلى الخروج بقانون موحد ضمن الإطار القانوني لمشروع الاستراتيجية، وهو ما يتعلق بالضرائب العائدة من تلك الإعلانات، وكذلك الغرامات الناجمة عن ما يتم نشره مخالفاً للمشروع.
ولتأكيد تبني الأردن لهذا المشروع وحماسة بعض الدول العربية، قال الشبول إن الإطار القانونية لهذا المشروع صيغ أردنياً وأُقر بالاجماع، وتم الاسترشاد بالقانون الأوروبي في نسخته الأولى، حيث عملت دول أوروبا عام 2023 قانوناً موحداً يتعلق بالخدمات الرقمية.

من جانبه، قال أمين عام وزارة الاتصال الحكومي زيد النوايسة لـ“العقبة اليوم”، إن المشروع في تقدم من حيث الإجراءات الخاصة به وتكتسب أهميته أنه يدحض كل محتوى يقوم على التضليل في ما يتعلق بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مشيراً إلى الاجتماعات التي جرت على مستوى وزراء الإعلام العرب واللقاءات التشاورية التي استضافتها دول المشروع، بما في ذلك التأكيد على التفاهمات مع الشركات العالمية.
وأشار إلى دراسة إماراتية قدمت كمقترح للجنة الفنية بهذا الخصوص، حيث تم تأجل اجتماع اللجنة والذي كان مقرراً في حزيران الماضي في بغداد بسبب الظروف السياسية، موضحا أنه من المنتظر أن يُعقد الاجتماع خلال الشهرين المقبلين للعمل بخطوات إجرائية للاستراتيجية العربية خاصة الاطار القانوني للمشروع.
تفاصيل الاستراتيجية
وبحسب هذه الاستراتيجية التي يقودها الأردن، فإن المنصات الدولية ستُلزم بتوفير تمثيل قانوني داخل الدول العربية للتعامل مع الشكاوى، ومعالجة المحتوى المخالف خلال 24 ساعة للمخالفات الواضحة وسبعة أيام للمحتوى الذي يستدعي المراجعة.
كما تنص الاستراتيجية على فرض غرامات مالية تبدأ من 100 ألف دولار وقد تصل إلى مليوني دولار أو 6% من الإيرادات الدولية للشركة، مع إمكانية الحجب المؤقت في حال تكرار الانتهاكات.
وتسعى الاستراتيجية أيضًا إلى إعادة جزء من عوائد الإعلان الرقمي لدعم الإعلام العربي المحلي، وتمويل مبادرات التربية الإعلامية ومكافحة التضليل الرقمي، في خطوة تهدف إلى بناء بيئة إعلامية عربية محمية ماليًا وتشريعيًا.
في سياق متصل، أطلقت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا تطبيق “تصريح معلن” الإلزامي للأفراد الذين يمارسون الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي، الذي يصب في تطبيق الاستراتيجية العربية الموحدة، بما يعكس تحولًا جذريًا في العلاقة بين صناع المحتوى والجمهور والجهات الرقابية في ظل تسارع صناعة الإعلام الرقمي.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول إمكانية تطبيق النموذج ذاته في الأردن، خاصة أن السوق الأردني يشهد انتشارًا واسعًا لما يُعرف بـ”الاقتصاد الإعلاني الموازي” الذي يعتمد على المؤثرين وحسابات الأفراد في إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب دون رقابة مهنية أو شفافية ضريبية، ما يفتح المجال أمام إعلانات مضللة أو غير مرخصة.
الخطوة الإماراتية جاءت وسط تصاعد استخدام المنصات الرقمية كمساحات إعلانية مفتوحة، يتداخل فيها المعلَن بالمحتوى، وتتعدد فيها الجهات الفاعلة دون تنظيم قانوني واضح، لذلك، فإن هذه المبادرة تؤسس لنموذج جديد من الحوكمة الإعلامية، يوازن بين حرية التعبير من جهة، والمسؤولية المهنية وحماية المستهلك من جهة أخرى.
هل يمكن تطبيق ذلك في الأردن؟
الأردن، وعلى الرغم من تمتعه بمنظومة تشريعية إعلامية قائمة، لم يُقدِم بعد على خطوة تنظيمية مماثلة تنظم الإعلان الرقمي الشخصي عبر منصات التواصل، خصوصًا ما يصدر عن المؤثرين أو الأفراد الذين يحققون دخلاً من الترويج لمنتجات وخدمات دون رقابة أو شفافية واضحة.
في السنوات الأخيرة، ازدهر ما يُعرف بـ”الاقتصاد الإعلاني الموازي”، حيث تنتشر الإعلانات عبر إنستغرام، فيسبوك، ويوتيوب من خلال حسابات شخصية لا تخضع لأية رقابة مهنية أو محاسبة ضريبية، مما يفتح الباب أمام إعلانات مضللة أو غير مرخصة، ناهيك عن الترويج لمنتجات طبية وتجميلية دون موافقة الجهات المختصة.
ورغم أن “هيئة الإعلام” و”هيئة تنظيم قطاع الاتصالات” في الأردن، إلى جانب دائرة ضريبة الدخل، تتابع بعض الجوانب الفنية والضريبية، إلا أن غياب تشريع خاص ينظم المحتوى الإعلاني الرقمي للأفراد يجعل السوق فوضويًا إلى حدّ كبير، ويضع المستخدمين أمام محتوى لا يخضع للمعايير الأخلاقية أو المهنية.
لماذا يحتاج الأردن إلى “تصريح معلن”؟
تطبيق نموذج مشابه لما أطلقته الإمارات يمكن أن يقدم فوائد كبيرة للأردن:
حماية المستهلك: من خلال التأكد من أن المحتوى الإعلاني حقيقي، ومصدره معروف، وغير مضلل.
تنظيم السوق: ما يتيح تحديد الجهات المعلنة والمؤثرين العاملين في المجال، وإدخالهم ضمن منظومة قانونية خاضعة للضرائب.
تعزيز الشفافية: عبر إلزام المعلنين بإظهار تصريحهم، والتمييز الواضح بين المحتوى الإعلاني والمحتوى الشخصي.
دعم الاقتصاد الرقمي: من خلال استقطاب شركات إدارة المواهب والدعاية للعمل في بيئة منظمة وآمنة.
ما المطلوب أردنيًا؟
إذا ما أراد الأردن مواكبة التطور في صناعة المحتوى، وتعزيز ثقته بالسوق الرقمية، فلا بد من تحرك عاجل نحو تقنين الإعلانات الشخصية الرقمية، حفاظاً على المهنية وحماية للمجتمع، وذلك من خلال:
– تحديث التشريعات الإعلامية لتشمل الإعلان الرقمي الشخصي.
– إطلاق منصة وطنية لتسجيل المؤثرين والمعلنين الرقميين، بإشراف هيئة الإعلام أو جهة تنظيمية جديدة.
– تنسيق حكومي بين وزارتي الاتصال الحكومي والاقتصاد الرقمي، والضريبة لتنظيم الجوانب المهنية والمالية.
– إطلاق حملة توعية حول الإعلان المسؤول تستهدف صناع المحتوى والجمهور على حد سواء.