الحل في غزة عربياً .. والفرصة مواتية
جميل يوسف الشبول
البيان المصري-القطري الذي صدر فور إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من المفاوضات الجارية في قطر، محمّلًا حماس مسؤولية تعثّرها، كان بمثابة صفعة لترامب ونتنياهو، وإظهارًا لهما على أنهما يقفان في الجانب الآخر من العالم الذي بدأ ينحاز ويستجيب لنداء الضمير من جهة، ولتبرئة الذات من فظاعة ما ارتُكب من جرائم بحق الإنسانية، وحقوق الأطفال والنساء خاصة.
الموقف الفرنسي وإعلان الرئيس ماكرون نيّته الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد أيام من مصادقة الكنيست الصهيوني على ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن، يشكّل فرصة لتحرّك عربي يعزّز الدور الفرنسي ويؤيّده، خصوصًا في ظلّ تصريحات ترامب المشينة بحق الرئيس الفرنسي.
الحراك البرلماني الأوروبي الرافض لجرائم الاحتلال في غزة، ولمواقف حكوماته مما يجري في القطاع، وتشبيهه لما يحدث بأنه “عارٌ” على الشعوب والحكومات، يجب أن يشكّل فرصة للنظام العربي كي يتحرك ويفرض شروطه على نتنياهو وترامب، ويحدّ من بلطجة الأخير، ويفضح ما قام به من فجور لتعطيل صفقة إنهاء الحرب.
البيان الألماني-الفرنسي-البريطاني المشترك والرافض لما يجري في القطاع، يجب أن يُستثمر لدعم التوجّه العربي الذي نتمناه، خدمةً للأمة ولجميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة والعدو الصهيوني.
موقف عشرات من أعضاء الكونغرس الأميركي المعارضين لسياسات ترامب، والمستجيبين لنداء الضمير الإنساني تجاه ما يجري على أرض غزة من جرائم ارتُكبت بالسلاح والقرار والتجويع الأميركي، والإبادة والتطهير العرقي، الذي ما كان ليرتكب لولا موافقة ترامب وأركان حكمه – هذا الموقف الشعبي الأميركي يجب تعظيمه والبناء عليه.
لا بدّ من استثمار الصحوة العالمية تجاه المنظومة الصهيونية وافتضاح أمرها واكتشاف جرائمها تجاه الجميع. فالشعب الفلسطيني والعربي ليس سوى جزء من أهدافها الإجرامية، التي لا تستثني أحدًا، بما في ذلك من كان له فضل عليها؛ والأمثلة كثيرة وتعرفها أوروبا وأميركا نفسها.
سوف يخرج الجيش الصهيوني المدعوم أميركيًا وغربيًا من أرض غزة بفعل ضربات المقاومة المؤمنة بربّها وحقها على تراب أرضها، وبما تيسّر لها من قوّة ومن رباط الخيل. وإنها لفرصة تاريخية لهذه الأمة أن توحّد قرارها السياسي وتستثمر ما يجري على الأرض هناك.
سوف يخرج الجيش الصهيوني من أرض غزة بعد فشله، وفشل جميع قوى الشرّ العالمية، في تحقيق أهدافه، رغم العُدّة والعتاد الأميركي والغربي اللامحدود، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وتحالف شركات تقنيات المعلومات الأميركية والأوروبية والصهيونية، وآخر ما توصّلت إليه من اختراعات.
إن هذا التحوّل الرسمي الغربي تجاه ما جرى ويجري في غزة، ما كان ليحدث لولا صمود المقاومة هناك، وتعرّض تلك الدول التي انخرطت في هذه الحرب القذرة لهزيمة استراتيجية، تحاول التستّر عليها بتغيير موقفها والانحياز – مرغمة – إلى حراك شعوبها الإنساني.
على الأنظمة العربية، وحتى لا تكون هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب، أن تبادر كما فعل الآخرون لإعادة إنتاج نفسها سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا؛ فهي تمتلك الإمكانيات، وبوصلتها شعوبها العربية، وأرضها في غزة وسوريا ولبنان وفلسطين، وفي الأقصى والقدس، والقائمة تطول.
إن لم تفعلوا، فأنتم قد تخليتم عن عروبتكم وإسلامكم، وتركتم شعوبكم على قارعة الطريق سبايا وخدمًا عند أراذل الناس. وعندئذ، سنشهد انقراض أمة.
يقول الشاعر عمرو بن الأهتم:
لَعَمْرُكَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلِها
ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضيقُ