الإدارة المحلية.. ملف مفتوح على أخطاء الماضي

أحمد حمد الحسبان

50

من حيث المبدأ، لا اعتراض على حل المجالس البلدية قبل موعد الانتخابات، تجنبا لشبهة الجمع بين صفتي مرشح ورئيس أو عضو مجلس بلدي. وهي الشبهة التقديرية التي لا يقرها البعض لجهة أن رؤساء وأعضاء البلديات من الشخصيات العامة الذين حازوا ثقة الناخبين، وأنهم محكومون بقوانين يفترض أن تضبط ممارساتهم، ومرجعيات رقابية يفترض أن تحاسبهم فيما إذا أخطأوا.

وهي الفرضية التي يمكن تقبّلها نظريا، وتبقى مرفوضة من حيث الواقع، لجهة الفهم الخاطئ لتلك المواقع وحدود صلاحيات أصحابها، والتي تكرست مع مرور الوقت إلى الدرجة التي أصبح رئيس أو عضو المجلس البلدي يتبنى مطالب من انتخبوه فقط. ويوجه كل الخدمات في اتجاهات انتخابية. وأبعد من ذلك، قد تبرم صفقات خدماتية لصالح بعض الطامعين في الفوز بانتخابات مقبلة. وأصبح عضو المجلس البلدي يحرص على الظهور برفقة آليات البلديات التي تقدم الخدمة سواء أكان ذلك بفتح شارع أو رش مبيدات أو غير ذلك تسديدا لفواتير انتخابية.

من هذه النقطة، وغيرها، يمكن قراءة نتائج التقييم الذي أجرته فرق عمل متخصصة لأداء البلديات، والذي خلص إلى نتائج غير مريحة، تمثلت بحصول 11 بلدية فقط على تقييم 65 بالمائة فما فوق. و93 بلدية دون ذلك، منها 39 بلدية كان تقييمها أقل من خمسين بالمائة.
وهي النتائج التي تكشف عن خلل في ملف البلديات الذي تحدثت الحكومات المتعاقبة عن جهود لتطويره ورفع سويته من خلال تعديلات تشريعية ودعم مادي، دون أن تفلح مشاريع التحديث التي تم الترويج لها في تخفيض المديونية المتزايدة للبلديات ، أومعالجة بعض الثغرات التي كشفت عنها الدراسات المتلاحقة، أو اشتكى منها المواطنون.
اللافت هنا أن ما يعاني منه العمل» البلدي» ينطبق على كافة مجالات الإدارة المحلية، باستثناء أمانة عمان الكبرى، التي تعمل وفقا لأسس وضوابط أرسيت منذ عقود، وتم تطويرها وتحديثها على مستوى الأمناء والمجالس اللاحقة، وآخرها قانون الأمانة الذي أقر قبل أكثر من عام، وأصبح نافذا.
فلا المجالس البلدية ولا المحلية ولا مجالس المحافظات قادرة على الخروج من تلك» الشرنقة» التي تشكلت بفعل عوامل متعددة، وأصبحت قاعدة يصعب الخروج منها. فالتداخل بات واضحا بين البلديات ومختلف المجالس، ومجالس المحافظات لم يعد يربطها بـ» اللامركزية» سوى الاسم. فبدلا من نقل الصلاحيات من الوزارات والدوائر في العاصمة إلى المحافظات، ومنح مجلس المحافظة صلاحية ضمن هذا السياق، تحولت مهامه إلى صلاحيات هزيلة تتمثل بوضع أولويات المشاريع للمحافظة، بحيث يجري تقاسم المبالغ المرصودة ـ على شحها ـ بين الأعضاء لخدمة مناطقهم الانتخابية.
كل ذلك يدفعنا إلى التذكير بأهمية عملية تحديث التشريعات الخاصة بالإدارة المحلية التي أطلقتها الحكومة، والتي ستطال قانون البلديات ومجالس المحافظات والتنظيم وغيرها من تشريعات. والتي تنطلق من توصيات اللجنة الملكية للتحديث السياسي يفترض أن تكون شاملة، وأن تأخذ في الاعتبار إعادة صياغة مفردات الإدارة المحلية وفقا لأسس وضوابط مختلفة عما هي عليه الآن. ومن أبرزها إطلاق مشروع اللامركزية وفقا لضوابط مختلفة عما هو مطبق في المجالس الحالية.
ومن ذلك، لا بد من توزيع الاختصاصات في البلديات. فالأصل أن يعطى المجلس البلدي المنتخب صلاحيات التخطيط ووضع الموازنة وإقرار المشاريع ومراقبة تنفيذها من قبل جهاز تنفيذي يرأسه مدير مختص يتم تعيينه بالتنسيق ما بين الحكومة والمجلس. وبالتالي إبعاد الرئيس أو عضو المجلس عن الإدارة المباشرة للبلدية، بكل تفاصيلها، بما في ذلك استغلال موقعه في مجالات انتخابية، تبدأ بالتعيين، ولا تنتهي بالخدمات المقدمة.

(الغد)

قد يعجبك ايضا