تصريح العجارمة… حين يسقط الخطاب الرسمي من منصة الدولة إلى هامش الاستهزاء

د. محمد الهواوشة

25

لم يكن التصريح الصادر عن الأمين العام لوزارة التربية والتعليم، الدكتور نواف العجارمة، حين قال عن نقابة المعلمين: “اللي حبلها يولدها”، مجرد زلّة لسان، بل كان سقطة وطنية وأخلاقية تستدعي الوقوف الجاد، لا التبرير الساذج. نحن أمام مسؤول رفيع في مؤسسة تربوية، يُفترض أن ترتقي كلماته إلى مقام التربية لا أن تهبط إلى مستوى السوقية.
أي خطاب رسمي هذا الذي يُساق بهذه الخفة؟ وأي فهم للنقابات يمكن أن ينتج عنه مثل هذا التهكم؟ بل أي احترام للمعلم يُمكن استنتاجه من تعبير يختزل نضال مؤسسة تمثيلية ومطالبات شرعية في جملة هزيلة لا تليق لا بالمنصب ولا بالسياق؟

نقابة المعلمين: مولودٌ شرعي من رحم الوجع
نقابة المعلمين لم تأتِ بالصدفة، ولم تُفرض بقرار فوقي. لقد وُلدت من عمق معاناة الميدان، من تعب المعلم في غرفة الصف، من قهره الإداري، ومن محاولاته اليومية للدفاع عن لقمة عيشه وكرامته. فأن يتم تشبيهها بـ”اللي حبلها يولدها” هو اختزال وقح لتاريخ من النضال والوعي النقابي، بل هو تنمّر رسمي على مؤسسة تمثل أكثر من مئة ألف معلم ومعلمة.
من العيب أن تُختزل شرعية النقابة بمثل هذا التعبير! وكأن الحقوق تُقاس بلغة النَفَس الثقيل، لا بقوة القانون والدستور والإرادة الشعبية.

الحكومة التي تهين معلمها… تكتب شهادة فشلها
حين يكون هذا مستوى الخطاب من رأس الهرم الإداري التربوي، فكيف نطمئن على القيم التي تُغرس في أذهان الطلبة؟ إذا كانت وزارة التربية تستخف بمؤسسة المعلم، فماذا تبقّى من احترام الدولة لمواطنيها؟ المعلم ليس موظفا عابرا، بل هو رمز وطني، صانع أجيال، وحارس للهوية الوطنية.
والأخطر من التصريح ذاته، هو الصمت الرسمي عنه. لم يصدر أي توضيح، لم يعتذر أحد، وكأن الإهانة عابرة، وكأن الكرامة لا تستحق حتى جملة اعتذار.

التهكم لا يلغي الشرعية… والغياب لا يقتل الفكرة
يبدو أن البعض ما زال يتوهم أن تعطيل نقابة المعلمين يعني انتهاءها. لكن الحقيقة أن النقابة لم تُجمَّد في وعي المعلمين، ولم تغب عن وجدان المجتمع. بل إن كل تصريح مستفز كتصريح الدكتور العجارمة، لا يزيدها إلا حضورا وشرعية، ويُعيد تأكيد الحاجة إليها.
النقابة ليست “حملاً” بانتظار ولادة مشوهة، بل هي مولود شرعي حيّ، تم اختطافه قسرا، لكنه سيعود. لأن المجتمع الذي يخرّج أجيالًا كل عام، لا يقبل أن يُهان معلموه، ولا أن يُسخَر من صوتهم النقابي.

الخاتمة: الاعتذار لا يُضعف الدولة، بل يصونها
من موقع المسؤولية الأخلاقية، أطالب الدكتور نواف العجارمة بالاعتذار العلني والصريح. فالصمت يعني الشراكة في الإهانة. واحترام النقابات لا يُهدد الدولة، بل يُحصّنها من الانفجار الاجتماعي، ويمنحها شرعية أخلاقية لا تصنعها المناصب.
إن من يتحدث باسم التربية، يجب أن يُربّي لسانه أولًا، ويحترم عقول من يخاطبهم، ويزن كلماته بمسطرة القيم، لا بميزان الاستعلاء.
وليعلم الجميع:
بأنّ المعلم خط أحمر، والنقابة ستعود، لا بإذن من أحد، بل بإرادة من صنعوا هذا الوطن وعلّموا أبناءه الحرف الأول: كـرامـة.

قد يعجبك ايضا