د. موسى بريزات والحديث عن أحاديث السفير الاميركي وتساؤلات الشارع الأردني
د.موسى بريزات والحديث عن احاديث السفير الاميركي وتساؤلات الشارع الأردني
(العقبة الإخباري)
بحكم تجربة متواضعة في هذا المجال ودون ادعاء العصمة، لا يوجد قانون دولي أو بروتوكول عالمي يحدد بالتفصيل ما هو مسموح وغير مسموح… ممكن او غير ممكن للسفير المعتمد في دولة اجنبية الكيفية التي يتابع بها مهمته في تعزيز العلاقات بين دولة وهذه الدولة ،لاسيما في اوساط مجتمع الدولة المضيفة وميدان نشاطاته على صعيد العلاقات العامة في مثل هذا البلد .
اتفاقيتا فينّا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية المعروفتان لا تتعرضان بشكل تفصيلي للنشاط الاجتماعي للسفير واعضاء السفارة الأجنبية بشكل يمكن ان يشكل مرجعا دقيقاً لتقويم مدى مشروعية النشاط الذي قام ويقوم به السفير المعني في الاردن حالياً والذي لفت نظر المواطن العادي . لذلك فإن كل دولة وحسب العرف يمكن أن تعتبر نفسها في حل حول الكيفية التي تختارها لتحدد المساحة المرغوبة والحريه في النشاط والاتصال الرسمي وغير الرسمي للدبلوماسي الاجنبي . طبعا درجت العادة ان يُعتبر مستوى العلاقات الثنائية ودرجة الثقة والصداقة والتفاهم في مختلف مجالات التعاون بين البلدين ابرز المعايير من حيث مدى حرية الحركة والاتصال التي يمكن للدولة المضيفة تقبلها من السفير الأجنبي ، خصوصا على صعيد تحركه فيما يوصف عموماً بالساحة المحلية او الشؤون الداخلية وبموضوعات ذات صبغة مجتمعية حساسة للنظام السياسي والنظام العام في الدولة ؛ طبعا دون المساس بمبدأ التزام الدولة عادة بتسهيل مهمة عمل الموفد الدبلوماسي والبعثة الدبلوماسية بشكل عام وبما يخدم العلاقات الودية بين البلدين . وهنا يبدو ان السلطات الاردنية ، وعلى ضوء التوضيح الذي قدمه معالي وزير الخارجية الاردني بشأن نشاط السفير مدار النقاشات المجتمعية ردا على سؤال نيابي في مجلس النواب له بشأن نشاطات هذا الدبلوماسي حيث أكدت الحكومة على لسان معالي الوزير انها لا تجد في نشاط السفير اياه ما هو غير عادي او خارج عن مهام العمل المعتاد او الطبيعي لدبلوماسي اجنبي بالرغم منان الرأي العام أظهر توجساً ازاء نشاط هذا الدبلوماسي رفيع المستوى وممثل دولة ذات تاثير ونفوذ كبيرين في السياسة الإقليمية والدولية .لهذا يبقى السياق
السياسي والدبلوماسي لدولة الموفد او الممثل الدبلوماسي بصرف النظر عن الرتبة أو ميدان العمل : سياسي او تجاري او عسكري او ثقافي لمثل هذا الدبلوماسي ليلقي مثل هذا السياق بعض الضوء علي أسباب مثل هذا التوجس الشعبي وحتى القلق الذي اجتاح الساحة الاردنية المحلية . ويتلخص هذا السياق بشكل عام بـ:
1طبيعة اهداف ومصالح بلد هذا الموفد في البلد المضيف ؛
2- مدى التوافق في الاهداف والمصالح الوطنية بين البلدين ؛
3- المدى الذي يمكن للبلد المضيف ان يخدم ويدعم او يؤثر –ايجابا او سلبا – فيتعزيز اهداف ومصالح بلد السفير او الدبلوماسي المعتمد .
هنا ونتيجة غياب الشفافية و قانون للحق في الحصول على المعلومات ينسجم مع المعايير العالمية للحصول على المعلومة فان على المرء تفهم وجود مثل هذه الصعوبة على المواطن في تقويم نشاط السفير المعني في الساحة الاردنية وغير المعهود وبشكل لفت الانظار وأثار حفيظة الكثيرين واستغرابهم لدرجة حرك اهتمام أعضاء في مجلس النواب، دفع بعضهم للطلب من وزير الخارجية توضيحا حول هذا النشاط لدبلوماسي أجنبي والذي لم يسبق وان قام به سفير او ممثل دولة اجنبية في الأردن وبمثل هذه الكثافة .
لكن يمكن للمواطن الأردني ان يستند إلى شواهد موجودة توضح في سياق النقاط الثلاث المذكورة أعلاه واستنادا لما هو متداول من معلومات بشان مصالح دولة وصاحب السعادة الدبلوماسي المقصود ان يبرر توجيه وحتى قلقه ومن منظور الرأي العام الأردني ، من هذا النشاط المكثف والمنهجي على الصعيد المجتمعي ، وتحديداً نتيجة سياسات ومواقف لبلده من قضايا على صعيد المنطقة العربية يراها الأردنيون معادية لمصالحهم بصرف النظر عما تقدمه بلاده من معونة مالية واقتصادية للاردن وعلاقات التعاون السياسي والدبلوماسي الممتدة لعقود بين الجانبين.
يتصدر هذه السياسات مصدر الريبة والتوجس للراي العام الاردني تجاه نشاطات هذا الدبلوماسي العتيد :
دعم بلاده لحرب الابادة التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلية في غزة وحماية الممارسات والسياسات الإسرائيلية العنصرية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، لاسيما سياسة التهجير القسري بحق الفلسطينيين ، دبلوماسياً وعسكرياً ، ونقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة واعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية، والعمل على ادماج إسرائيل في المنطقة، وعدم معارضة او الرد على تهديدات وتصريحات وممارسات مسؤولين اسرائيليين عدوانية توسعية من داخل إسرائيل وخارجها تجاه الأردن .
لا بل يستحضر الاردنيون في اطار التهديدات الإسرائيلية للأردن تصريحات لرئيسالسفير المذكور ذكر فيها ان هذه الدولة “–إسرائيل– صغيرة الحجم والمساحة” ! وهنا لا يمكن للاردنيين ان يخطئوا في تأويل هذا التصريح . كما اثار أيضًا تصريح حديث لذات الرئيس عكس فيه مواقف لاسلافه من الرؤساء الامريكان يعلن فيها ان لا مشكلة له مع المسلمين ، ولكن له “مشكله مع الاسلام كدين كونه يدعم الارهاب”! طبعاً تحتفظ الذاكرة الشعبية للاردنيين بقائمة طويلة جدا لامثلة على مواقف وسياسات أميركية يراها الأردنيون معادية لهم وحتى لوجودهم الوطني !
هنا اتوقف عن التوضيح الموضوعي لأسباب قلق الإنسان الاردني واستغرابه بشكل عام، وتساؤلات الأردنيين المشروعة حيال نشاطات السفير المعني فيما اذا كان هذا القلق وتلك التساؤلات التي حركت الرأي العام الاردني هي في مكانها ومبررة ام لا؟
ربما يجيب معالي وزير الخارجية الموقر على هذا السؤال ويزيل أسباب تاويلات الأردنيين و قلق الكثيرين منهم من نشاطات صاحب السعادة، مع الحرص على علاقة طيبة ومتوازنة مع بلده تحفظ للأردن سيادته واستقراره وللأردنيين كرامتهم وهويتهم وانتماءهم القومي وعقيدتهم السمحة وحريتهم في تنظيم شؤونهم الداخلية ،وطريقة واسلوب العيش الذي يختارون بملء ارادتهم الحرة كشعب يؤمن انه يمتلك حق تقرير مصيره بيده. وشكرا لمعاليه ان اختار ان يبدد قلق الأردنيين ، وبالتالي يُغلق باب هذا النقاش بشان ضيف البلد الكريم ، وهو نقاش من وجهة نظري المتواضعة يقتضي ليس فقط ضرورة التعامل معه بما يستحق من جدية واهتمام ، بل وارى فيه ربما فرصة ليس فقط دبلوماسية بل وسياسية ايضا ، وسبق لمعاليه ان واجه مثلها ولم يتردد بالحديث الصريح بشأنها .
حمى الله الأردن وشعبه .