حوارات سلام أم ترتيب أوراق

10

أحمد حمد الحسبان

جولة سلام.. أم محاولة لإنقاذ إسرائيل من سلسلة أزمات داخلية وخارجية؟

سؤال يفرض نفسه في تفاصيل التقييم المبدئي لجولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب،التي شملت كلا من مصر وإسرائيل، وشهد خلالها بعضا من مراسم تبادل الأسرى التيتمت تنفيذا لمبادرته التي أطلقها تحت مسمى السلام، وألقى خطابا مطولا أمامالكنيست الإسرائيلي طغت عليه المجاملة، وبدا فيه الانحياز للكيان واضحا. وفيالمقابل كال رئيس وزراء الكيان المديح للرئيس ترامب، والشكر على ما قدمه من دعم.

فالجولة بدا عليها الطابع الاحتفالي بما تحقق من سلام”، والاشادة بمدى الدعمالمقدم والموعود لإسرائيل بما في ذلك المشاركة العملية بالحرب التي امتدت لعامين،والتلميح لأي حروب مستقبلية وصولا إلى” شرق أوسط جديد”، تنعم فيه الدولةالعنصرية بالسلام والأمن والأمان.

فقد تابع الرئيس ترامب احتفالية تبادل الأسرى، معتبرا أنها النصر الثامن في حروبخاضها خلال ثمانية أشهر، متجاهلا أن عملية التبادل كانت النقطة الأكثر سهولة بيننقاط المبادرة التي أطلقها، وأن هناك الكثير من النقاط الصعبة التي لن يكون اجتيازهاسهلا، والتي قد تؤدي إلى عودة الحرب بطريقة أو بأخرى.

فالمبادرة التي أطلقها ترامب، والخطة الملحقة بها بدت وكأنها سهلة التطبيق في شقهاالأول غير أنها لن تكون كذلك فيما يخص الشق التالي منها. ليس بحكم غموض أهدافهاومراميها فقط، بل وبسبب ما يعتقد أنه سوء نوايا تتخطى صاحب المبادرة باتجاهالفريق المقابل للمقاومة الفلسطينية، بل والشعب الفلسطيني بكل مطالبه العادلة. وتنذر بعودة الحرب من جديد، ولكن بصيغة قد تكون مختلفة عما كانت عليه فيمرحلة ما قبل المبادرة. فما تبقى من محطات المبادرة قد لا تكفيه مفاوضات عادية،ولا ضغوطات من تلك التي بذلت في مراحل سابقة، بحكم تعلقها بأساسيات الثوابتالتي قامت عليها الحرب أصلا، وبانعدام الثقة بين أطراف المعادلة، وبسوء النواياالمفترضة بين محاور الصراع.

فالجولة الجديدة التي من المفترض أن تبدأ عقب انتهاء عملية تسليم جثامين القتلىمن الإسرائيليين، تنتظر جولات تفاوض في غاية الصعوبة رغم محاولات تغليفها ببعضالمصطلحات الجميلة، بحكم انحيازها لإسرائيل بشكل كامل، وتتويجها باعترافاتمتبادلة  بأن ترامب هو” أعظم صديق حظيت به إسرائيل”، وأنه الأكثر دعما وانحيازالها”. وبشهادات تحمل قائمة بالمنجزات التي قدمها لدولة الاحتلال منذ فترة حكمهالأول، عندما أطلق مشروعه” صفقة القرن”، وحتى فترة حكمه الثانية التي توجت بكممن المنجزات تخدم إسرائيل وتحقق لها أكثر مما تطلب، وأبعد مما يثيره متطرفوها منأحلام توراتية مزعومة.

وأبعد من ذلك هناك من يرى أن ترامب الذي أطلق” صفقة القرن” في فترة حكمهالأولى، بدأ بتنفيذ ما تبقى منها خلال فترة حكمه الثانية. وأنه قد يكون طور عناصر تلكالصفقة بأكثر مما تحلم به حكومة الكيان التي توصف بأنها الأشد تطرفا في تاريخالكيان. وأن جولته الأخيرة في المنطقة تندرج ضمن مشروعه لاستكمال تطبيق”الصفقة” بكل ما تحمله من تنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومن جرأة علىالحقوق العربية.

فجولة ترامب التي حظيت إسرائيل بنصيب الأسد منها، شهدت عمليات استعراض لمااعتبره الطرفان منجزات غير مسبوقة نفذها الرئيس الجمهوري المتعصب لصالح دولةالاحتلال، حيث تبادل الطرفان الإشادة بتلك المنجزات، وتطرق كل طرف لما ينتظره منمنجزات في المستقبل تصب في مجملها ضمن البرامج التي يسعى اليمين المتطرفإلى تحقيقها دون مواربة. ويسعى الرئيس الأميركي إلى دعمها بكل الوسائل والحماسةلتحقيقها، تحت مسمى” إنهاء الإرهاب” أولا، وإطلاق الشرق الأوسط الجديد ثانيا،والذي ستكون السيادة فيه لإسرائيل دون غيرها.

وفي مسار غبر مباشر، محاولة إعادة تحسين صورة إسرائيل لدى العالم، في ضوء ماقامت به من أفعال خارجة عن القانون الدولي، ومنها عمليات التجويع والإبادةالجماعية التي ارتكبتها ضد أبناء قطاع غزة.

فقد بدا التركيز واضحا على الشق الأول من خطة ترامب وتحديدا عملية تبادل الأسرى،التي تصنف بأنها الأكثر سهولة من بين بنود الخطة، والتي نفذت ضمن احتفالية أممية،قد لا تمتد طويلا بحكم ما تنتظره عملية الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وما يتبعهامن صعوبات تستند الى ربط العملية بسحب سلاح المقاومة، وتدمير الأنفاقوالاستسلام الكامل لبعض التنظيمات الفلسطينية. فالتصريحات التي يدلي بهامسؤولون إسرائيليون تؤكد أن وقف الحرب المرتبط بانسحاب إسرائيل من القطاع لنيتم إلا بتجريدها من أي عناصر تدعم موقفها التفاوضي، وتحتاج إلى وقت وجهدللتغلب على مماطلات الجانب الإسرائيلي، التي بدأت بتغيب نتنياهو عن قمة شرمالشيخ، في محاولة للتخلي عن أي التزامات لحكومته، والاكتفاء بضمانات دولية قد لاتصمد كثيرا امام المماطلة الإسرائيلية والانحياز الأميركي الكامل لها. وبالتالي فالخوف ـكل الخوف ـ من أن يتم توظيف” المبادرة الترامبية” ومخرجاتها المغلفة بصورة النصر،لتحسين صورة الكيان، وخدمة اليمين المتطرف الحاكم في انتخابات مبكرة تأتي بفريقأكثر تشددا من الفريق الحالي، وأكثر انتقائية، خاصة وأن عمر الحكومة ينتهي بعد عامواحد. يجوز لنتنياهو أن يدير خلاله حكومة انتقالية متحللة من كثير من الضغوطاتالداخلية. وذات قدرة على المناورة في التفاوض مع كل الأطراف المعنية بتطبيقالمبادرة وبما يمكن أن يرتقي إلى مستوى إدارة مواجهة سياسية وعسكرية مع الأطيافالمتواجدة في الداخل الفلسطيني، ومن يتحالف معها.الغد

قد يعجبك ايضا