الجبهات المجدولة
الجبهات المجدولة
ماهر ابو طير
تبدو الحرب التي توقفت أنها نهاية المشهد في فلسطين، أو المنطقة، لكنها بالتأكيدنهاية لحظة صعبة، وما تزال النهايات مفتوحة.
السبب في ذلك ليس بث التشاؤم بل إن ملف غزة ذاته هو الأصعب، وهي التي تحتاجإلى أكثر من ثمانين مليار دولار لإعادة الإعمار، فيما سيعيش أغلب الناس فوق الأنقاض،بلا مشاريع أو فرص عمل، أو تعليم أو حياة، حتى ينتهي الإعمار الذي بحاجة إلى عقود،وسوف تتسلل خلالها مبادرات التهجير الطوعي، لتفريغ القطاع من أهله.
يضاف إلى ما سبق أننا أمام أجيال ستأتي غاضبة أمام كل هذه الخسائر ولن تكونمهزومة أو مستسلمة كما يظن كثيرون، بل سترث كل هذا الغضب، وتعيد إنتاجه لاحقا،في ظل استشهاد أكثر من 60 ألف شخص، وتوقع استشهاد 200 ألف شخص إضافيوفقا للتقارير الدولية، بسبب نقص الرعاية الطبية وأمراض القلب والسكري والكلىوبقية الأمراض الخطيرة، وهي أمراض فتكت بحياة الناس، وستؤدي إلى ارتفاع نسبةالوفيات، ومعهم مئات آلاف الجرحى والمتضررين صحيا ومعنويا، ولا ننسى هنا الآثارالاجتماعية للفقد واليتم وما تتعرض له العائلات من ألم وتشظية.
هذا يعني أن ملف القطاع لن يتم إغلاقه بمجرد وقف الحرب، وهو يأخذنا إلى ملفاتالضفة الغربية والتخطيط الإسرائيلي للضفة والقدس، والعمليات التي ينفذها الاحتلالطول سنينه، بما فيها سنين الحرب، وتأثيرات ذلك على وجود السلطة أصلا، ومدىاعتراف إسرائيل بدورها الأساسي، في ظل رفض قيام دولة فلسطينية، وما يعنيه ذلكمن تفرغ الاحتلال الآن للضفة الغربية، بشكل مختلف.
ربما غالبية الناس تريد وقف الحرب، لتخفيف الكارثة، لكن الوجه الآخر لما فعلهالاحتلال خلال الحرب، سيتضح الآن، بعد أن يخرج الغزيون من الصدمة بعد إحصاءالخسائر والأضرار، بما يثبت أن جرائم الاحتلال كان تأثيرها إستراتيجيا وليس مجردعمليات يومية.
الجانب الآخر وراء الاحتفاء بوقف الحرب، يرتبط بملفات الإقليم التي يتحدث عنهاالجميع، من لبنان، إلى سورية، مرورا بالعراق وإيران واليمن، وهي ملفات قيد التصفيةالإسرائيلية، ولا يبدو أن أحدا سيردع الاحتلال أصلا، الذي مارس الجرأة على المدنيينفي فلسطين المحتلة، ويريد إكمال مخططه من أجل شرق أوسط جديد.
كل هذا يعني أن الحرب لم تنته فعليا، توقفت فقط مرحليا في معركة غزة، وستثبتالأيام أن الاحتلال بمجرد التقاط أنفاسه سيعود إلى بقية الجبهات، خلال الفترة المقبلة،بدعم أميركي وسكوت غربي على مستوى الحكومات، بما يفرض علينا ألا نكون أبناءاللحظة الحالية فقط، ونقرأ الخريطة بشكل عميق، على أساس أن الاحتلال أماممشروعه التوسعي يريد تحقيق مستهدفات لم يكملها.
الاستخلاص هنا يقول إن الحرب العسكرية في غزة ربما توقفت وربما بطبيعة الحالستعود لأي سبب، لكن النتيجة الارتدادية ستتمثل في كون الاحتلال سيعود إلى بقيةالجبهات المجدولة في المنطقة، دون أن يوقفه أحد، ولا يعترض عليه أحد بعد جرائمغزة. الغد