لن تبقى دولة بات حدودها

10

 

 

 

 

 

 

 

 

لن تبقى دولة بات حدودها

كل شيء واضح جدا، ولا غريب إلا لدى من أدمن الاستغراب، لأننا ندخل عصر تقسيم المقسم، أصلا، تحت شعار يقول كل شيء قابل للقسمة على اثنين، وهذا هو اتجاه السياسة الغربية للمرحلة المقبلة.

في بدايات رئاسة الرئيس الأميركي خرج ليقول إن مساحة إسرائيل صغيرة وبحاجة للتوسع ومعنى الكلام أن إسرائيل تريد التمدد الجغرافي نحو دول الجوار، وخصوصا، في بلاد الشام حصرا.
ثم خرج نتنياهو مرارا ليتحدث عن الشرق الأوسط الجديد الذي ستتم صياغة خارطته الجديدة، ومصلح “الشرق الأوسط” أصلا مصطلح تم صناعته لدمج إسرائيل في المنطقة، وهي منطقة عربية وإسلامية يراد شطب اسمها وهويتها وإنتاج اسم جديد يقبل إسرائيل وسطها.
وبعدهما خرج سياسيون إسرائيليون ومعهم نتيناهو أيضا ليتحدثوا عن إسرائيل الكبرى التي تشمل عدة دول عربية من بينها الأردن، وضرورة إخراج الفلسطينيين نحو الأردن ومصر، أو أي دول عربية مثل الصومال وليبيا، أو أي دول إسلامية.
وجاء أخيرا المبعوث الأميركي إلى سورية، توم باراك ليقول إنه لا يعترف بالشرق الأوسط كمنطقة سياسية شرعية، مشيراً إلى صعوبة تحقيق اصطفاف سياسي بين أكثر من 100 مجموعة عرقية في المنطقة، محملا اتفاقية سايكس-بيكو الموقعة عام 1916 مسؤولية الأزمات التي تشهدها المنطقة، معتبراً إياها السبب الرئيسي في هذه المشكلات، معتبرا أن الدول الوطنية في المنطقة لم تنشأ بصورة طبيعية، بل تم رسم حدودها من قبل دبلوماسيين بريطانيين وفرنسيين قاموا بتقسيم الإمبراطورية العثمانية إلى دول ذات حدود، مشيرا إلى أن نمط الحياة في المنطقة يختلف عن النموذج الأوروبي ، حيث إن أهل المنطقة مجرد قبائل وقرى، ولا شيوع لمفهوم الدولة.
كل ما سبق يمثل نظرة استهتار شديدة بحق المنطقة وتاريخها، وهويتها العربية والإسلامية التي تمثلت دوما في نماذج حكم ممتدة تحت مظلة العثمانيين مثلا، أو نماذج سابقة دمجت بين مكونات في دول مختلفة، في منطقة تفيض بالحضارات، لكن المثير هنا أن المشروع الاستعماري الذي قطع أوصال المنطقة عبر سايكس بيكو، لم يعد مناسبا لهذا العصر، بعد فشل الدمج داخل مكونات الدولة الواحدة بسبب الانتماءات الفردية، ويراد فصل المكونات إلى دويلات جديدة، بدلا من استمرار الصراع بينها، وهذا هو جوهر المشروع الأميركي الإسرائيلي الغربي لهذه المنطقة وفقا لمنطوقهم.
معنى الكلام أن كل دولة سوف تنشطر إلى دويلات اصغر، وإذا أخذنا العراق مثلا، نكون أمام 3 دويلات تم التجهيز لها مسبقا، الشيعة والسنة والأكراد، وإذا أخذنا سورية مثلا، سنكون أمام دويلات للسنة والعلويين والشيعة والدروز والمسيحيين والأكراد، وإذا أخذنا مصر مثلا، فأن المؤامرة قديمة جديدة لتقسيمها على أساس مسلمين وأقباطا، وصولا إلى دويلات لمكونات ثانية.
هذا يعني أن الجريمة التي ارتكبها الغرب بتقسيم المنطقة، يخرج اليوم من يراها السبب لكل هذه الصراعات، وبدلا من الانسحاب من المنطقة، وترك أهلها لبيئتهم الطبيعية التي تم العبث بها، وخلخلة استقرارها، يراد التجاوب مع نتائج الخلخلة المقصودة أي تصنيع المزيد من الانشطارات في المنطقة لنصبح أمام دول مذهبية وعرقية ودينية تتسم جميعها بالضعف لكنها تشرعن هوية إسرائيل بالمقابل كدولة يهودية تتفوق على مكونات المنطقة وتدير ثرواتها وشعوبها.
لقد كشفت حرب الإبادة في غزة كل هذه المخططات التي كانت تتسرب المعلومات حولها سابقا، لكننا اليوم نعبر مرحلة أصعب ستؤدي بالتأكيد إلى نشوب حرب ممتدة تحرق كل المنطقة، على عكس ما يتصوره السياسيون والمخططون من قدرة على إنفاذ الأمر.
حرب غزة ليست إلا بوابة لشأن اعظم بكثير، حتى يفهم بعضنا أن المشروع الإسرائيلي في الأساس ليس موجها نحو الفلسطينيين فرادى حيث إن فلسطين حجر الارتكاز في المشروع، وهذا المشروع يريد ما هو أكبر، وما نراه اليوم هو ثمن طبيعي لترك الفلسطينيين وحدهم عبر العقود السابقة، ليأتي الدور اليوم على البقية بما يعني أن أهل المنطقة عليهم أن يستيقظوا من وهم الحصانة.

قد يعجبك ايضا