أزمات متعددة في العالم: من غزة إلى أوكرانيا وروسيا وبريطانيا – قراءة تحليلية
إعداد: عمران السكران
العقبة اليوم – نمرّ اليوم في موجة عالمية متسارعة من التطورات الأمنية والإنسانية والسياسية، حيث يتقاطع مسار نزاع غزة مع أزمات إقليمية هجمات عبر الحدود، ومحاولة سفن إنسانية، واستهداف منشآت نفطية وموجات احتجاج شعبية داخل الدول الأوروبية، بينما تتواصل حسابات القوة الكبرى حول أوكرانيا وروسيا.
ما يجمع هذه الملفات هو تصاعد عنصر «التصعيد المتعدد الأوجه»: ضربات عسكرية مباشرة، ونزوح مدني جماعي، وردود فعل دبلوماسية متشددة، وتحركات مدنية واسعة الحجم تؤثر على المشهد السياسي الداخلي في عدة دول.
في ما يلي قراءة مُركّزة ومحلّلة لأبرز التطورات وأبعادها التي جرت خلال الـ24 ساعة الماضية….
غزة: موجة قصف جديدة ونزوح واسع وخانق إنساني
خلال الساعات الأخيرة تصاعدت وتيرة الضربات الإسرائيلية على أحياء في مدينة غزة، مع تقارير طبية عن عشرات الشهداء والجرحى وعمليات قصف استهدفت مبانٍ سكنية ومراكز إيواء ومدارس ومؤسسات صحية، فيما تتحدث الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة عن موجات نزوح هائلة وصعوبة إيجاد ملاذات آمنة.
أرقام المصادر الطبية المحلية والإعلامية تشير إلى عشرات القتلى منذ فجر اليوم السبت وتركيز كبير للدمار في أحياء مدينة غزة، هذه الموجة المصحوبة بأوامر إخلاء واسعة لأحياء بأكملها، تزيد من الضغط على قدرة النظام الإغاثي وتفاقم أزمة الأمن الغذائي والصحي.
الضربات المركّزة على الأبراج السكنية ومراكز الإيواء تُظهر استراتيجية عسكرية تهدف إلى تحييد ما تصفه إسرائيل بـ«البنية التحتية لحماس»، لكن تبعاتها العملية تنعكس في ارتفاع أعداد النازحين وإغلاق منافذ الإمداد الإنساني.
هذا يضغط دوليًا على شرعية العمليات العسكرية ويزيد من احتمالات العزلة الدبلوماسية أو إجراءات ضغط من الجهات الداعمة للوقف الفوري للعدوان على العزة.
أسطول «الصمود» ومحاولات كسر الحصار: بروز بُعد بحري رمزي/إنساني
انطلقت من تونس (ميناء بنزرت/سيدي بوسعيد بحسب التغطيات) أولى سفن ما يُعرف بـ«أسطول الصمود العالمي» في محاولة لجذب انتباه دولي وكسر الحصار البحري عن غزة ونقل مساعدات، الحملة تمثل رمزية سياسية وإعلامية كبيرة حتى لو تواجه تهديد التوقيف أو الاعتراض في المياه الدولية.
نجاح مثل هذه المبادرات في الوصول الفعلي إلى قطاع غزة يعتمد على قرار سياسي/عسكري للجهات المتحكمة بمنطقتي المدخل البحري والجوي، حتى لو فشل الوصول المباشر، فالأسطول ينجح في خلق ضغط إعلامي ودبلوماسي قد يؤثر على مواقف بعض العواصم ويزيد من حساسية الرأي العام الدولي.
امتداد الصراع الأوكراني إلى عمق روسيا ..وبولندا على الخط
أفادت مصادر روسية بسقوط مسيّرة على مجمع تكرير نفط في باشكورتوستان (مجمع تابع لِـBashneft) واندلاع حريق محدود، مع أن السلطات وصفت الهجوم بأنه «عمل إرهابي» وتم إسقاط طائرات مسيرة أخرى، التغطية الدولية تربط الهجوم بسياق الهجمات الأوكرانية المتكررة ضد منشآت نفطية روسية.
إن استهداف منشآت للطاقة داخل روسيا يرفع من كلفة الحرب ويوسع مسرح المواجهة إلى ما وراء خط المواجهة المعتاد، ما يجعل من الصعب احتواء التصعيد. كما أن الضربات على البُنى التحتية للطاقة تحمل آثارًا اقتصادية طويلة الأمد قد تؤثر في سلاسل التوريد والأسواق العالمية للطاقة.
بولندا قامت بعمليات استنفار للطائرات وإغلاق مؤقت لمطار ليتوانيا/لوبلين (إجراءات وقائية) بعد مخاوف من توجّه طائرات مُسيّرة من القتال في أوكرانيا نحو الدول المجاورة، فيما تؤكد القيادات أن العمليات المشتركة هي إجراء احترازي لتأمين الأجواء، هذا يأتي في سياق تصاعد الهجمات بطائرات مسيّرة في شرق أوروبا ويدفع حلف شمال الأطلسي لتعزيز الدفاعات الشرقية.
الانتشار الوقائي ورفع حالة التأهب البولندية يُظهِر هشاشة خط الدفاع الجوي في مناطق الحدود ويشير إلى أن حرب الطائرات المسيّرة غيرت من قواعد الاشتباك: لم تعد الحدود الجغرافية الضيقة تحمي الدول من آثار الصراع.
فيما، أعلنت كييف حاجتها لحجم تمويل دفاعي مرتفع (حوالي 120 مليار دولار للعام المقبل بحسب تصريحات مسؤوليها) لمواصلة تصنيع الذخائر والدفاع الجوي واستمرار جهودها العسكرية. هذا الرقم يعكس استمرار الحرب وتفكّر أوكرانيا في خطط تعبئة موارد كبرى طويلة الأمد.
هذا الطلب الضخم يضع حلفاء أوكرانيا أمام اختبار إرادة دعم طويل الأمد (مالي وعسكري)، ويثير تساؤلات عن استدامة الدعم الأوروبي والأميركي في ظل أزمات متعدّدة عالمياً. كما أن أي قصور في التمويل سيؤثر مباشرة على خطوط الإمداد وقدرة أوكرانيا على الحفاظ على مكاسبها الدفاعية.
احتجاجات كبيرة في لندن وتصاعد اليمين المتطرّف في أوروبا
شهدت لندن مسيرة حاشدة نظمها الناشط تومي روبنسون جذبت أكثر من 100 ألف شخص، تركزت حول قضايا “حرية التعبير” والهجرة، وتخلّلتها صدامات مع الشرطة، في وقت خرجت مظاهرات مضادة بمشاركة آلاف المدافعين عن حقوق المهاجرين ومناهضة العنصرية. هذا الحدث يسلّط الضوء على تصاعد الشعور الشعبي المعادي للهجرة واستغلال قضايا الأمن والهوية في التعبئة السياسية.
إن ارتفاع أعداد المشاركين والظهور الدولي لشخصيات يمينية متطرفة يؤشّر إلى قدرة هذه الحركات على استقطاب الغضب الشعبي في دول غربية، ما قد يدفع الحكومات إلى مواقف سياسية أكثر تحفظًا أو قمعًا للحركات الاحتجاجية، أو إلى محاولات استجابة لِمطالبات المتظاهرين عبر سياسات هجرة أكثر صرامة — ما ينعكس لاحقًا على المناخ السياسي الداخلي والانتخابات القادمة.
أزمة الأسرى والضغط الداخلي على إسرائيل: عائلات المحتجزين تتّهم نتنياهو
منتدى عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه “عقبة” أمام إنجاز صفقة تبادل وإنهاء الحرب بعد ضربة استهدفت عناصر مفاوضة أو قيادات (ردود فعل على عمليات استهدفت تسهيلات تفاوضية). هذا يزيد القلق الداخلي في إسرائيل ويظهر تبلور ضغط شعبي مباشر على السلطة التنفيذية لبلوغ صفقة تبادل أسرى.
إن اتهامات عائلات الأسرى أمام الرأي العام تُعد مؤشرًا قويًا على تراجع ثقة شريحة مؤثرة من الجمهور في قيادة الحرب، وقد تترجم هذه الضغوط إلى تظاهرات واسعة أو ضغوط على الأحزاب البرلمانية لتغيير مسارات التفاوض أو السياسات العسكرية.
تداعيات متقاطعة
تنامي العسكرة مع تآكل المساحات الإنسانية: تكثيف الضربات في غزة وعمليات استهداف منشآت استراتيجية يوسّع من دوائر المعاناة ويقلّص الخيارات الإنسانية المتاحة، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار فعّال لإمكانية كبح التصعيد.
وتصاعد عوامل عدم الاستقرار الإقليمي/العابر للحدود: هجمات الطائرات المسيّرة ونشاطات احتجاجية كبيرة في أوروبا تُظهِر أن الأزمات لم تعد معزولة؛ انتقال العنف والاحتقان السياسي بين ساحات متباينة يغيّر أولويات الأمن القومي لدى دول لم تكن في بؤرة الصراع سابقًا.
والضغط السياسي الداخلي على صانعي القرار: ملفات مثل أسرى غزة وازدياد أعداد النازحين واحتجاجات الشوارع تجبر القادة على موازنة خياراتهم بين منطق الحرب والتهدئة السياسية.
احتمالات التصعيد أو المفاوضة: مع تراكم الخسائر الإنسانية وظهور مطالب دولية متزايدة للحد من العنف، ثمة نافذة ضيقة للتفاوض أو لتهيؤ شروط لوقف مؤقت، لكن وقوع ضربات جديدة أو هجمات استراتيجية قد يُغلق هذه النافذة ويطيل أمد الصراع.