المناعة الوطنية

المحامي بدر الهروط

829

في كل أزمة إقليمية أو تصريحات أو تسريبات إعلامية عابرة للحدود، نجد أن جزءًا من الرأي العام الأردني يتعاطى مع المشهد بحالة من الذعر والخوف والتهويل والتشكيك أحيانًا، وبحالة من العاطفة غير المنضبطة أحيانًا أخرى، لنجد أنفسنا أمام حالة من ضعف المناعة الوطنية ضد كل ما هو تخريبي أو تضليلي أو كيدي من شأنه استهداف الجبهة الداخلية.

الأردن دولة وطنية، وليس دولة رفاه اقتصادي أو دولة مشروع عداء مع المحيط الخارجي، إنما دولة لديها مشروعها الوطني الذي يتلاءم مع قدراتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي والسياسي. وأولويات الأردن الوطنية قائمة على حفظ الأمن الداخلي وحماية حدوده الخارجية من أي تعدٍ على أراضيه أو ما يهدد أمنه الوطني أو سلامة مواطنيه. ومن الطبيعي أن تشمل أولوياته الداخلية استمرارية وديمومة وتنمية متطلبات الخدمات الأساسية لمواطنيه، من الأمن الداخلي والنقل والطاقة والشبكة الصحية والمرافق التعليمية، وإدارة العدالة القضائية، وغيرها.

وأستطيع القول إن الدولة الأردنية في التعامل مع التحديات والتهديدات تشبه “الجمل الصبور”، فالأردن على امتداد عمره السياسي تنامت لديه خبرة متراكمة في التعامل مع التهديدات الأمنية داخليًا وخارجيًا، ومع التهديدات العسكرية على كافة حدوده، مما حافظ على سيادة الأردن ضد أي عدوان خارجي. وتعامل الأردن المتوازن مع المنظومة الدولية الفاعلة منحها القدرة على التعامل مع مشاريع تهدف لإعادة هندسة المنطقة، وقد مرّ الأردن بمشاريع كثيرة استطاع تجاوزها بنجاح.

الأردن دولة راسخة بالمعنى القانوني والسياسي والعملي، وليست حزبًا أو ميليشيا أو منظمة، بل دولة تُدار بالعقل والمصالح وليس بالعواطف. دولة بالمعنى السياسي لديها عقل مركزي يبني قراره على المعلومة والتحليل وتقدير الموقف، ما يمكّن صاحب القرار من اتخاذ الموقف اللازم أمام أي تهديد أو تحدٍ.

الدولة الأردنية تعاملت في سجل طويل مع تصريحات وتسريبات صادرة عن اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو دون انفعال أو تهور. تاريخيًا، فإن الأردن من ثوابته الوطنية التنبه للخطر القادم من خارج الحدود، خصوصًا من الحدود الغربية مع إسرائيل، وإن ارتبطت باتفاقية سلام كانت نتيجة الصراع العربي-العربي (غزو الكويت) الذي فكك منظومة الأمن القومي العربي.

ويدرك الأردن أن الحروب لا تُدار بالتصريحات أو التهديدات التي يطلقها اليمين الإسرائيلي، وأن هذه التصريحات موجهة للجبهات الداخلية في الأردن ومصر، والتي يتلقفها البعض بجهالة والبعض الآخر بخبث، لتتوافق مع نية العدو في إضعاف فكرة الدولة واستمراريتها.

الدولة الأردنية، بدستورها وتراكم خبرتها السياسية والعسكرية والأمنية، تعتمد في تقدير الموقف عند التعامل مع أي خطر خارجي أو داخلي على قراءة المؤسسة الأمنية والعسكرية المحترفة، وهو ما يضمن سلامة الأراضي الأردنية من أي تهديد خارجي، وضمانة أمنها الداخلي وسلامة الشعب الأردني الذي هو محور مشروع الدولة الأردنية. وطاقات الدولة الأردنية مسخرة للجيش العربي الأردني لحماية السيادة الوطنية واستقرار الداخل، وهو من مبادئ الميثاق الوطني الأردني الذي عبّر عن توافق القوى الوطنية والدولة الأردنية عام 1991.

إن الاختلاف السياسي لدى الرأي العام الأردني يجب أن يبقى في الاختلاف حول الأولويات الوطنية وليس حول الدولة وقدرتها. والمناعة الوطنية تفترض أن نؤمن بقدراتنا الوطنية كشعب أصيل له تاريخ طويل من الثبات والمواجهة، وأن نؤمن بأن لدينا دولة قادرة على مواجهة تحديات الخارج، وتستطيع حشد جميع الطاقات الوطنية خلف المؤسسة العسكرية لحماية الأراضي الأردنية.

قد يعجبك ايضا