شهداء الحقيقة: أنس الشريف ومحمد قريقع.. حكاية صحفيين اغتالهما الاحتلال لإسكات صوت غزة

كتب: محرر الشؤون السياسية

557

على مدى أكثر من عشرة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بات استهداف الصحفيين مشهدًا مألوفًا، لكنه لم يفقد يومًا وطأته وألمه.

ففي مساء الأحد 10 أغسطس 2025، سقط اثنان من أعمدة العمل الميداني لقناة الجزيرة في غزة، المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع، جراء قصف مباشر استهدف خيمة الصحفيين أمام مجمع الشفاء الطبي.

لم يكن القصف عشوائيًا؛ بل جاء دقيقًا، في موقع معروف منذ أشهر بأنه مركز تجمع الإعلاميين، ما دفع مؤسسات حقوقية وصحفية للتأكيد على أن ما جرى عملية اغتيال مخططة لإسكات الصوت الذي ظل ينقل للعالم حقيقة ما يجري في غزة.

أنس الشريف.. صوت الميدان الذي لم يصمت

أنس الشريف، الذي وُلد ونشأ في مخيم جباليا شمالي القطاع، عرفه الفلسطينيون والعالم وهو يتنقل بين الركام والأزقة الضيقة، مرتديًا خوذته الزرقاء ودرعه الصحفي، ويمسك بالكاميرا في يد وبالميكروفون في الأخرى.

في ديسمبر 2023، فقد أنس والده في قصف استهدف منزل العائلة، لكنه رفض الانسحاب من الميدان.، كان يردد دائمًا لزملائه: “إذا تركنا الساحة، من سيخبر العالم بما يحدث؟”

منذ اندلاع العدوان الإسرائلي في أكتوبر 2023، بث الشريف مئات التقارير الحية، من شمال القطاع إلى جنوبه، ووثق لحظات قصف ومجازر لم يكن بالإمكان رؤيتها إلا من خلال عدسته.

محمد قريقع.. من حقوق الإنسان إلى الخطوط الأمامية

محمد قريقع لم يبدأ حياته المهنية كمراسل ميداني، بل كباحث في قضايا حقوق الإنسان، مدافعًا عن ضحايا العدوان السابقين. في 2024، التحق بقناة الجزيرة كمراسل، وسرعان ما أصبح وجهًا مألوفًا على شاشتها.

فقد محمد والدته في قصف إسرائيلي قرب مجمع الشفاء الطبي أواخر العام الماضي، لكنه ظل يواصل العمل من نفس الموقع الذي شهد لحظات فقدانه، متحديًا الخطر.

كان معروفًا بدقته في نقل الأرقام والشهادات، وحرصه على إعطاء الضحايا حقهم في أن تُروى قصصهم.

مشهد الجريمة

مساء الأحد، كان أنس ومحمد ضمن فريق من الصحفيين يستعدون لنقل مباشر عقب مجزرة ارتكبها الاحتلال في محيط الشفاء، دقائق قبل البث، اخترقت السماء قذيفة إسرائيلية، لتسقط مباشرة على خيمة الإعلاميين.

سقط أنس ومحمد على الفور، فيما أصيب آخرون بينهم مصورون ومراسلون من قنوات محلية ودولية، الكاميرات التي كانت منصوبة للتصوير تحولت إلى شظايا، والدماء غطت أرض الخيمة، في مشهد لم يخلُ من رمزية: الاحتلال يطلق النار على “العين التي ترى”.

استهداف ممنهج موثق بالأرقام

وفق تقرير مراسلون بلا حدود الصادر في يوليو 2025، استشهد في غزة منذ بدء العدوان أكثر من 150 صحفيًا، كثير منهم سقطوا في مواقع معروفة بأنها أماكن عمل إعلامي، ما يعزز فرضية الاستهداف المتعمد.

اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ) قالت في بيان إن استشهاد أنس الشريف ومحمد قريقع “يأتي في إطار حملة منظمة لتكميم الأفواه، وجريمة حرب بموجب القانون الدولي”.

ردود فعل وإدانات

قناة الجزيرة حمّلت الاحتلال المسؤولية الكاملة، مؤكدة أن استهداف مراسليها هو اغتيال مباشر وجزء من سلسلة طويلة من الجرائم التي طالت طواقمها في فلسطين، بدءًا من اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة عام 2022، وصولًا إلى مقتل المصور سمير أبو دقة في خانيونس قبل أشهر.

كما أدانت وزارة الإعلام الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني الجريمة، داعية المحكمة الجنائية الدولية إلى إدراجها ضمن ملفات التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية.

إرث لا يُمحى

برحيلهما، خسر المشهد الإعلامي الفلسطيني اثنين من أبرز الأصوات التي وثقت معاناة المدنيين تحت القصف،  لكن الصور التي التقطاها، والكلمات التي بثّاها، ستظل شاهدة على أن الصحفي الفلسطيني يقف على خط النار، وأن الكاميرا في غزة ليست مجرد أداة نقل، بل سلاح مقاومة.

رحل أنس ومحمد، لكن الحقيقة التي حملاها في قلوبهما وعدساتهما لم ترحل، وستظل أسماؤهما محفورة في سجل شهداء الحقيقة.

قد يعجبك ايضا