..وماذا بعد التوجيهي؟

عمران السكران

275

في مشهد يتكرر كل عام، لكنه هذه المرة بحجم أكبر قليلًا، خرج نحو 98 ألف طالب أردني من بوابة الثانوية العامة ليستلموا حقهم في الدخول إلى بوابة الجامعات، ملوحين بشهاداتهم وكأنها تذكرة عبور إلى العالم الكبير، الأرقام الرسمية، كما تشير وزارة التربية والتعليم، تقول إن النسبة المتوسطة للالتحاق بالتعليم العالي في الأردن تتراوح عادة بين 79% إلى 85%، ما يعني أن ما يقارب 70 ألفًا من هؤلاء الناجحين سيتجهون إلى الجامعات أو الكليات، إذا لم تعترض طريقهم عقبات القبول أو ارتفاع الرسوم أو “العين الحاسدة”.

في المقابل، سيجد البقية ملاذهم في كليات المجتمع أو البرامج التقنية، لكن وراء هذه الصورة، هناك واقع أكثر تعقيدًا، فحتى لو تدفق عشرات الآلاف على مقاعد الجامعات، فإن سوق العمل الأردني ما يزال عاجزًا عن استيعابهم بالسرعة المطلوبة، حيث تصل نسبة البطالة بين الخريجين الجامعيين في بعض السنوات عالميا إلى قرابة 30%، وأردنياً 25% بحسب دراسات منشورة في مجلات بحثية دولية..  طبعا أكثرهم قد يعمل في وظيفة بعيدة عن تخصصه .. والنتيجة؟ قصص معروفة عن مهندسين يعملون في المبيعات، وخريجي علوم سياسية يديرون متاجر قهوة، وأطباء أسنان يحلمون بوظيفة حكومية لم تُعلن بعد، وخريج صحافة وإعلام يركض وراء تطبيقات التوصيل.

السخرية الخفيفة هنا تأتي من المفارقة: الطالب الذي أمضى 12 عامًا في التعليم الأساسي والثانوي، ثم 4 سنوات في الجامعة، قد يجد نفسه في نهاية المطاف يعمل في مجال لم يسمع به أثناء دراسته، هذا ليس ذنبًا فرديًا، بل انعكاس لفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، وهي فجوة لا تسدها حفلات التخرج ولا خطابات التهاني، ولا ألعاب نارية تتطاير من “صدر كنافة” خشنة.

ما العمل إذن؟ أولًا، إعادة الاعتبار للتعليم الفني والمهني ليصبح خيارًا جذابًا ومربحًا، لا مجرد محطة اضطرارية لمن لم يحالفه الحظ في القبول الجامعي.

ثانيًا، تطوير سياسات سوق العمل لخلق فرص حقيقية تستوعب هذا الكم من الخريجين، مع تشجيع ريادة الأعمال والابتكار.

ثالثًا، الشفافية الكاملة في نشر البيانات والإحصاءات السنوية حول مسارات الخريجين ونسب البطالة، حتى لا نتفاجأ بعد أربع سنوات بأننا نكرر المشهد ذاته مع دفعة جديدة من الشباب الحائرين.

إلى أن يتحقق ذلك، سيظل 98 ألف شاب وشابة يسيرون في طرق متفرعة: بعضهم إلى المدرجات الجامعية، وبعضهم إلى ورش التدريب، وبعضهم مباشرة إلى سوق العمل أو حتى المطار، باحثين عن فرصة خارج الحدود، أما البقية، فربما سيجلسون لاحتساء القهوة والتساؤل: “وماذا بعد التوجيهي؟” .. سؤال يبدو أن الوطن نفسه لم يجب عنه بعد.

قد يعجبك ايضا