اقتصاد الأزرق: هل يشكّل نقطة تحول حقيقيةللعقبة والاقتصاد الأردني؟

د. أحمد الكساسبة

38

أطلقت نقابة المهندسين الأردنيين مبادرة الاقتصاد الأزرق بهدف استثمارالموارد البحرية لمدينة العقبة وتحويلها إلى مركز إقليمي للتنمية، وتشملالخطة تطوير الموانئ الذكية وتحلية المياه بالطاقة المتجددة وتعزيزالسياحة البيئية وحماية البيئة البحرية، لرفع مساهمة الأنشطة البحريةفي اقتصاد العقبة إلى 15٪ بحلول عام 2033. وتُعد هذه المبادرة جهدًامهنيًا مهمًا من نقابة المهندسين لدعم التنمية المستدامة في العقبة. لكنهل يمكن أن تغيّر هذه المبادرة موقع العقبة في الاقتصاد الوطني وتحوّلهاإلى مركز اقتصادي وبحري رائد؟

لا شك أن المبادرة تحمل بعدًا تنمويًا كبيرًا، إذ يمكن أن تقترب مساهمةالعقبة في الناتج المحلي الوطني من 10٪ خلال عقد إذا نُفذت بكفاءة، مايعني إضافة مليارات الدولارات وتحسين التصنيف الائتماني عبر توسيعالقاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات. كما يمكن أن تخلق آلاف الوظائفالمباشرة وغير المباشرة في الموانئ والخدمات اللوجستية والسياحةوالطاقة المتجددة. ومن شأن تعزيز القدرات البحرية والتصديرية أن يقلصعجز الميزان التجاري عبر رفع الصادرات وتقليل استيراد المياه والطاقة،ما يدعم الاستقرار النقدي والمالي.

والعقبة بأمسّ الحاجة إلى هذا التحول، إذ لم تتجاوز مساهمتها فيالناتج المحلي 3٪ خلال العقدين الماضيين، وفقًا للبنك الدولي. وهذايعكس محدودية التكامل بين المنطقة الاقتصادية الخاصة وباقيالاقتصاد الوطني وضعف الحوكمة، ما يجعل المبادرة فرصة حقيقيةلإعادة صياغة نموذج العقبة وربطه مباشرة بالرؤية الوطنية للتنمية.

التجارب الدولية تثبت أن التحول ممكن. فقد نجحت المغرب في تحويلميناء طنجة المتوسط إلى الأكبر في إفريقيا بفضل التكامل بين الموانئوالصناعة (البنك الدولي 2022)، وأصبحت سنغافورة مركزًا عالميًاللاقتصاد الأزرق عبر الابتكار والحوكمة الذكية، فيما استخدمت جزرسيشل السندات الزرقاء لتمويل مشاريع الاستدامة البحرية دون زيادةالمديونية (صندوق النقد الدولي 2021).

وما ينبغي الإشارة إليه أن تعزيز المبادرة يتطلب – إلى جانب ما تضمنتهفي تفاصيلها – إنشاء مجلس أعلى للاقتصاد الأزرق يضم الحكومةوالقطاع الخاص والجامعات، وتأسيس معهد وطني مع مسرّعات أعماللدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا البحرية، إضافة إلى استخدامأدوات تمويل حديثة لجذب رؤوس أموال دولية. كما أن دمج التحولالرقمي والذكاء الاصطناعي في إدارة الموانئ والخدمات اللوجستية يمكنأن يرفع تنافسية العقبة ويخفض التكاليف التشغيلية.

وتأتي هذه المبادرة في إطار الاهتمام الملكي بالاقتصاد الأزرق، حيثأكد جلالة الملك في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات (نيس، يونيو 2025) أن العقبة يمكن أن تكون مختبرًا عالميًا لاستعادة الشعاب المرجانية،مشيرًا إلى مبادرات مثل «المشاريع الزرقاء للعقبة» و«المركز العالميلإحياء المحيطات». وهذا يعكس بُعدًا وطنيًا ودوليًا للمبادرة، ما يعززفرص نجاحها إذا ما دُمجت ضمن خطة تنمية شاملة.

ومن منظور الأمن القومي، يشكّل الاقتصاد الأزرق عنصرًا أساسيًا فيتعزيز الأمن المائي والطاقي والغذائي. وإذا نُفذت المبادرة ضمن إصلاحهيكلي وبمؤشرات أداء واضحة، فقد تتحول العقبة خلال عقد إلى مركزاقتصادي وبحري إقليمي يضاعف مساهمتها في الناتج الوطني ويحققفائضًا في الميزان التجاري. أما إذا استمرت التحديات الهيكلية دونمعالجة، فإن مساهمتها ستبقى محدودة رغم المشاريع الجديدة.

ختامًا، تمثل مبادرة الاقتصاد الأزرق رؤية وطنية تستحق الدعم، غير أننجاحها يتطلب دمجها في استراتيجية شاملة لإصلاح نموذج المنطقةالاقتصادية الخاصة، مع حوكمة قوية وابتكار تقني وتمويل مستدام وربطفعّال بالعقبة وبقية الاقتصاد الوطني. وإذا تحققت هذه الشروط، فقدتتحول العقبة من مساهمة متواضعة إلى قوة اقتصادية رئيسية تعززمكانة الأردن وتفتح آفاقًا جديدة للنمو المستدام بحلول عام 2033.

قد يعجبك ايضا