أكد وشدد وأشاد… ثم لا شيء!
عمران السكران
يبدو أن بعض الأخبار في الإعلام الأردني لا تكتب لتُقرأ، بل لتُؤرشف، أو بالأحرى لتُطبع وتُعلّق على جدار المكاتب، فبدل أن نقرأ تغطية خبرية تنقل ما جرى، وما قيل، وما تم الاتفاق عليه، وما مدى استفادة المواطن، نجد أنفسنا أمام سرد ناعم يليق بدفتر إنجازات شخصية أكثر من كونه خبرًا صحفيًا.
خذ مثالًا شائعًا: يلتقي مسؤول أردني رفيع مع ممثل جهة دولية (ربما البنك الدولي، أو منظمة الصحة العالمية، أو حتى نادي الطهاة الدوليين). يُنشر الخبر كالتالي: “بحث الوزير أوجه التعاون مع ممثل الجهة الدولية، حيث أكد على أهمية الشراكة، فيما أشاد ممثل الجهة الدولية بجهود الأردن في هذا المجال”، وهذا ما خرجنا به من الخبر فقط، بطبيعة الحال، قد يكون هذا اللقاء هو اللقاء المئة، وما زالوا لم يصلوا بعد إلى تعزيز التعاون .. لا أدري كم لقاءً سنحتاج حتى ننجز هذا التعزيز.
حسنًا… هل يمكن لأحد أن يخبرنا: ما هو هذا “المجال”؟ ماذا طُرح؟ هل هناك أرقام؟ قرارات؟ حتى لو كان الحديث عن تطوير الزراعة المائية في وادي رم، ألا يستحق أن نعرف ما تم الاتفاق عليه بدلًا من أن نُترك نتأمل في “أوجه التعاون”؟
المعضلة ليست في عدم وجود محتوى، بل في تحوّل التغطية إلى فعل تعظيم مستمر، فالمسؤول دائمًا “أكّد” و”شدّد”، والضيف دائمًا “أعرب عن إعجابه”، أما الصحفي فيبدو أنه كان في زاوية القاعة يكتب الخبر من ملخص الخطاب، أو ربما من البيان الرسمي الذي أُرسل له على “الواتساب” بعد اللقاء.
وهكذا، تنشر وسائل الإعلام خبرًا لا يحوي سوى فقرتين أو ثلاثة، تنتهي غالبًا بـ”وفي ختام اللقاء، أشاد ممثل الهيئة بجهود الأردن في دعم الملف”، هذه الأخبار، التي يمكن تصنيفها بـ”المنشورات الإجرائية”، تبدو وكأنها تكتب فقط لأرشيف العلاقات العامة، لا للمواطن الذي ينتظر معلومة أو موقفًا رسميًا أو تطورًا ملموسًا.
وهنا نرى هذا المشهد يتكرر في التغطية الخبرية، وتبرز المشكلة بشكل أكبر عند تغطية الندوات أو المحاضرات أو الورش، فحدِّث ولا حرج؛ إذ تبدو هذه الفعاليات وكأنها عُقدت فقط ليظهر ذلك المسؤول ويتحدث عن إنجازاته في الجهة التي يترأسها، فيستحوذ على معظم مساحة الخبر، أما بقية المتحدثين، فلا ينالون سوى جملة أو جملتين، بحسب علاقة الصحفي بهم. وغالبًا ما تكتفي هذه الأخبار بسرد ما قيل، من دون أن توضح محاور الورشة أو التوصيات التي خرجت بها، ولا مدى انعكاسها على حياة المواطن، ويبدو أن هذه الجوانب الجوهرية استُبدلت بذكر أسماء الحضور فقط، بهدف تضخيم الفعالية ومنحها مصداقية شكلية.
في زمن الذكاء الاصطناعي العابر للقارات، لا يجوز أن يبقى الإعلام شريكًا في إنتاج الأخبار الخشبية، الإعلام مسؤول، وليس شاهدًا صامتًا، لا نريد من الصحفي أن يرفع يده ليسأل “هل نُشيد الآن أم بعد قليل؟”، بل أن يسأل: ماذا جرى؟ ما خلفياته؟ وهل هناك نتائج؟
أخيرًا، هل من المنصف أن نُشيد كل مرة بجهود الأردن دون أن نعرف أصل القصة؟ قد يكون الضيف الدولي ذاته لا يعرف لماذا يشيد، لكنه تعلم أن يشكر مضيفه قبل ركوب السيارة الرسمية.
الإعلام لا يُبنى على المجاملة ولا على نسخة “نسخ- لصق” من بيانات الاجتماعات، الإعلام يُبنى على الأسئلة، على المعلومة، وعلى احترام عقل المتلقي .. باختصار: لا نريد “أخبارًا شخصية”، بل “أخبارًا عامة”.
(أكتبك نقدي بحبر المحبة… لأبني لا لأهدم)