المشروع الغائب
ماهر أبو طير
لا يمكن للعرب أن يواجهوا كل هذه التحديات بذات الطريقة القائمة حاليا على التنسيق الثنائي، أو التنسيق الأوسع قليلا أمام تغيرات متسارعة.
في حوار عبر بودكاست الغد يقول اللواء الركن المتقاعد عبدالله الحسنات إن هناك 3 مشاريع تتصارع من أجل قيادة المنطقة والسيطرة عليها، وهي المشروع الإسرائيلي، المشروع الإيراني، والمشروع التركي، فيما يغيب المشروع العربي تماما، ومن المعروف طبعا هنا أن المشروع الأميركي ذاته يقترب بدرجات علنية وسرية من المشروع الإسرائيلي بحيث يمكن اعتبار المشروع الإسرائيلي أداة تنفيذية فيما المشروع الأميركي يمكّن للمشروع الإسرائيلي ويوفر له أسباب القوة والتمدد والاستدامة.
لا توجد أي مؤسسة عربية فاعلة، والكل يدرك أن جامعة الدول العربية مجرد شكل بروتوكولي، يعد ضعيفا جدا، وغير ملزم لأحد، وفوق ضعفه المعتاد، تكشفت نقاط الضعف خلال الأزمات والحروب، كما أن أغلب الدول العربية تتعامل مع الجامعة العربية باعتبارها مجرد شكل سياسي.
بناء التكتلات في العالم العربي تجربة حدثت مرارا، ومن المعروف أن أغلب التكتلات فشلت، بسبب الصراعات الثنائية، أو تدخل قوى إقليمية، أو صراع المصالح، أو حتى عدم وجود قدرة على بناء موقف أمام كثرة القوى الضاغطة على المنطقة، وهذا يعني أن عدوى الجامعة العربية انتقلت إلى أغلب التكتلات، وهناك مجاهرة اليوم بالحديث عن الاقتصاد فقط كرابط يربط بين الدول العربية، بعيدا عن التزامن السياسي، في انسحاب علني من محاولة بناء موقف فاعل تجاه المهددات التي تعصف بالمنطقة ليل نهار.
غير أن هذا الحال سيوفر لكل المشاريع السابقة، مع الفروقات بين مشروع وآخر، المجال للتمدد في المنطقة، ولو حلّلنا بعمق وضع المنطقة منذ العام 1990 لوجدنا أن بداية التفكيك في المشهد العربي، كانت من حرب احتلال الكويت وما نجم عنها من تداعيات كارثية مرورا بالملف الفلسطيني، وصولا إلى كلف الربيع العربي، وما نراه من ابتعاد كبير اليوم لدول المغرب العربي عن المركزية المعتادة في المشرق لصالح أولوياتها.
الدعوة هنا إلى توفير مشروع عربي بمبادرة عربية، بنمط جديدة، ما نراه من متغيرات مقبلة على الطريق، وكل التحليلات تؤكد أن مرحلة هدم المنطقة وإعادة بنائها ما تزال في البداية، والمعلومات تتسرب عن دول عربية وإسلامية كبرى مستهدفة بالتقسيم، من سورية إلى العراق، مرورا بمصر وتركيا، في سياقات التوجه الدولي لتفكيك كل المنطقة، وتأسيس دويلات أصغر، وإذا أمكن بعناوين مذهبية وطائفية وعِرقية، بما يبلور شكل الشرق الأوسط الجديد وهذا مسمى يعد بديلا عن مسمّى العالم العربي، والعالم الإسلامي، ويضمن السيطرة للمشروع الإسرائيلي.
حالة الإرهاق الشديد التي تسيطر على النظام الرسمي العربي، والتردي السياسي والاقتصادي، وتفشي المظالم والفساد، حقق إزاحة خطيرة على مستوى الشعوب التي تنشغل اليوم بهمومها وتتخلى أغلب الأجيال الجديدة فيها عن عناوين كانت معتادة قومياً، وهذه الهشاشة، ستوفر للأسف الشديد قدرة هائلة على تنفيذ كثير من المخططات التي يتم وضعها.
الخلاصة هنا تقول إن الهدم الذي نراه لن يقف عند حدود الدول المستباحة، بل سيمتد إلى دول آمنة حاليا، بما يجعل إنقاذ المنطقة واجبا لا خيارا، فيما خيار التحاق العرب بأي مشروع من المشاريع السابقة، يعد مأساويا.
(الغد)