أسعار الدواء صداع دائم
أسعار الدواء صداع دائم
أحمد حمد الحسبان
لنبدأ بالنصف الممتلئ من الكأس، ونعترف بأن قطاع الدواء هو القطاع الوحيد الذييخضع للمتابعة الحكومية في مجال المراجعة السعرية بشكل شبه دوري، حيث تقومالحكومة بتخفيض أسعار بعض الأدوية وفقا لمعطيات تراها اللجنة وينص عليها نظامالتسعير.
غير أن العملية، ورغم أهميتها ليست كافية، ولا تحل مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية التيتكشف عن نفسها، وتتجذر دون أن تجد حلا شافيا يصوب عملية التسعير، بحيث تجريوفقا لأسس واضحة، تراعي المعادلات التجارية المعتمدة دوليا، ومصالح الأطرافالمعنية، وتأخذ في عين الاعتبار حساسية الحاجة للدواء. والأسعار السائدة في دولالجوار.
آخر وجبة تخفيض تم الإعلان عنها قبل يومين ـ تقريبا ـ وشملت ـ بحسب بيان رسمي ـ 97 صنفاً دوائياً بنسب تراوحت ما بين 5 % إلى 72 %، الأمر الذي يعيد فتح ملفالتسعير من بداياته. فتخفيض سعر دواء بنسبة 72 بالمائة يطرح سؤالا حول نسبةالربح» الفاحش» التي كان يدفعها المواطن على مدى سنوات عديدة سبقت عمليةالتخفيض. ويثير التساؤل حول منطقية آلية التسعير المعتمدة وصولا إلى مرحلة ما ـقبل التخفيض ـ.
يساعد في ذلك حقيقة تدني الأسعار في الكثير من دول الجوار، أو الدول القريبة منالأردن، ومنها ـ على سبيل المثال ـ تركيا وسورية ومصر. حيث تتدنى أسعار بعضالأدوية إلى أقل من النصف في هذه الدول، ويحرص بعض الأردنيين على التزودباحتياجاتهم من الأدوية من تلك الدول، وبخاصة الأدوية مرتفعة السعر.
القضية هنا تبدو واضحة، وتتعلق ببعدين اثنين كانا السبب في تلك المشكلة:
الاول: ان عملية التسعير التي تقرها لجنة مختصة تعتمد آلية مختلفة عن تسعير أيسلعة اخرى. فبدلا من أن يقدم المستورد بياناته بخصوص الكلفة كاملة، ويضاف عليهانسبة الربح وأي مصاريف أو ضرائب أخرى، لتحديد السعر. تعتمد اللجنة آلية معقدةتتكون من عدة عناصر بعضها يتعلق بالدواء نفسه وأهميته، وبعضها الآخر يتعلقبالدولة المنتجة، وبدول أخرى لا علاقة لها بالمنتج إلا من زاوية أنها تستورده.
والثانية تتعلق بتعدد الحلقات التجارية الأمر الذي يزيد من الهوامش الربحية لها، الأمرالذي يضاعف السعر عدة مرات.
في الأولى، يتم اعتماد متوسط أسعار نفس الدواء في عدة دول، ليكون سعر الأساسالذي تبنى عليه المعادلة. وتضاف عليه الكلف الأخرى من شحن وغيره. بدلا من إضافةهامش ربحي محدد على أسعار الاستيراد.
وفي الثانية يتم تحديد نسبة الربح للحلقات المعنية لتصل في مجموعها إلى ما بين 41 بالمائة و50 بالمائة. فنسبة ربح الوكيل 16 بالمائة في حدها الأدنى، وبعد أن يحتسبكافة مصاريفه ومنها عمولة الموزع وتكاليف الشحن وغيره. كما يتم تحديد نسبة ربحالصيدلية ب» 25 بالمائة»، ما يعني أن المريض يكون مضطرا لدفع تكاليف إضافيةتزيد في حدها الأدنى عن نصف ثمن الدواء مع رسوم ضريبية بقيمة 4 بالمائة.
الملاحظ في كل تلك الحالات أن عملية تحديد السعر لا تأخذ بعين الاعتبار الثمنالحقيقي للدواء، وما يحصل عليه الوكيل من خصومات وامتيازات يستغل بعضها فيعمليات التسويق ويوظفها في التنافس مع منتجات شركات أخرى. بحيث تتعددالأطراف المستفيدة من الدواء سعريا باستثناء المريض الذي يتوجب عليه أن يدفعالثمن كاملا، سواء أكان مؤمّنا ـ صحيا ـ أو غير مؤمن. والذي يشكل له سعر الدواء حالةصداع دائمة.الغد