مستشفى المناصب الحكومية!

11

نضال المجالي

يبدو أننا في الأردن اكتشفنا علاجا خارقا لا يوجد في أي مختبر في العالم، علاج لا يحتاجإلى طبيب، ولا واسطة للتحويل لمستشفى متقدم، ولا حتى انتظار طويل في طوابيرالمستشفياتبالرغم من نشاط وزير الصحة البدور لتجاوزها – . يكفي فقط أن يصدركتاب تعيين رسمي، ويحمل توقيع «ثقة»، لتبدأ المعجزة الوطنية: تُشفى الأعصاب،يعود البصر 6/6، وتنتعش الدورة الدموية كما لو أن العمر انقلب فجأة ورجع عشرينعاما على الأقل إلى الوراء!

منذ سنوات ونحن نتابع أخبار شخصيات يخرجون من الخدمة بتقارير طبية توحي بأنهمعلى وشك كتابة الوصية الأخيرة. أحدهم يعاني من آلام في أسفل الظهر، وآخر منضغط وسكري واكتئاب حاد، وثالث من دوخة مزمنة تمنعه من الحضور إلى العمل. وإذا أتيح أن تقرأ تقاريرهم تظن أنك أمام مأساة إنسانية تستحق جلسة تحت قبةالبرلمان. لكن ما إن يُعيّن أحدهم في منصب عام، حتى يحدث التحول المذهل: ينهضمن فراشه، يبتسم، يشارك في الاجتماعات، ويظهر على الشاشات بنشاط يُحرج حتىالشباب!

في ذاكرتي أحدهم خرج قبل أعوام بتقرير طبي يمنعه من الجلوس الطويل، لكنه جلسوزيرا على كرسيه من الفجر حتى منتصف الليل، يوقع القرارات، ويتحدث في المؤتمراتبحيوية منقطعة النظير. وآخر كان يعاني من «إرهاقٍ مزمن»، والآن لا يتعب من السفرمع الوفود الرسمية ولا من حضور المناسبات العامة. بل إن بعضهم يُصاب بفرطالنشاط فور استلامه المنصب لدرجة يستحق معها دراسة طبية متخصصة.

لو أن الحكومة أنشأت مركزا وطنيا باسم «مستشفى المناصب الحكومية»، لوفّرت علىالخزينة مئات الملايين التي تُنفق على العلاج داخل الأردن وخارجه. فتكلفة فتح منصبجديدبسيارة، وسائق، ومكتب، ومكافأةتبقى أقل بكثير من كلفة علاج مريضمنهم يراجع المستشفيات بلا نهاية خارج المنصب.

الحقيقة أن المنصب عندنا لم يعد مجرد تكليف أو مسؤولية،كما يصّرح الجميعبلأصبح علاجا شاملا متعدد الفوائد. إنه أشبه بعقار خارق يعيد التوازن النفسيوالجسدي، يرفع المناعة، يفتح الشهية للحياة، ويعيد للوجه نضارته بعد سنوات منالشحوب. ولو أُدرج رسميا ضمن قائمة الأدوية الوطنية، لاحتاجت وزارة الصحة إلىقسم وفريق خاص لتوزيعه بإشراف رسمي!

تأمل في الوجوه التي نراها بعد التعيين: لون البشرة يتحسن، الابتسامة تتسع، الصوتيعلو، والمشي يصبح بخطى واثقة. أما أولئك الذين فقدوا مناصبهم، فتعود إليهمالأعراض فورا! كأن الكرسي هو العلاج والهواء الذي يتنفسونه معا.

وعليه؛ ادعوا إلى دراسة علمية وطنية بإشراف وزارة الصحة ومستشفى الجامعةالأردنية بعنوان:

«الأثر الفسيولوجي والنفسي للمنصب العام على تجدد الخلايا وتحفيز الهرمونات». لأنما يحدث فعلا لا يمكن تفسيره علميا إلا بأحد احتمالين: إما أن المناصب في الأردنتمتلك طاقة علاجية غير مكتشفة، أو أن المرض كان مجرد وسيلة خروج ناعمة براتبمعلوليه وانتظار فرصة العودة إلى الضوء.

في كل الأحوال، الحل الاقتصادي واضح وبسيط:

بدل أن نصرف على علاج آلاف الحالات المزمنة، فلنفتح بضع عشرات من المناصبالجديدة! وهو ما يحدث غالبا، حتى لو كان رئيس مجلس ادارة «رضاوه» لمسؤول خرجمن الخدمة واحيانا لا تفهم كلامه عندما يتحدث. فالكلفة أقل، والعائد الصحيمضمون، والابتسامات ستعود إلى وجوه المعلولين السابقين الذين قد يصبحون،بمجرد توقيع واحد، رموزا للنشاط والهمة والوطنية.

نعم، في الأردن وداعالإبرة الألمالتي تكلف عند أحد الأطباء في عمان 600 دينار،فالمنصب لا يمنح سلطة فقط، بل يمنح شفاء تاما. دواء بلا وصفة، علاج بلا انتظار،ومفعوله يبدأ فور الجلوس على الكرسي.الغد

قد يعجبك ايضا