رافعة مالية للصناعة والتصدير والاستثمار: هل يحتاج الأردن إلى بنك وطني إنمائي؟

10

الدكتور رعـد محمود التـل

لقد تأسس بنك الإنماء الصناعي لتمويل المشاريع الصناعية متوسطة وطويلة الأجل،في وقت كانت المصارف التجارية تتجنب المخاطرة في هذا النوع من التمويل. فكانبمثابة الذراع التمويلي للتنمية الصناعية، يربط بين السياسات الحكومية واحتياجاتالقطاع الخاص. أما بنك الصادرات والتمويل فكان يهدف إلى تمكين المصدرينالأردنيين من دخول الأسواق الخارجية، من خلال أدوات تمويل وضمانات تقلل منالمخاطر التجارية وتزيد تنافسية الصادرات. ومع تحول البنكين إلى مؤسسات تجارية،فقدت منظومة التنمية في الأردن مؤسستين كانتا تمثلان الجسر بين التمويل والإنتاج.

ليوم، ومع تباطؤ الاستثمار الصناعي وضعف الصادرات نسبياً، تبرز الحاجة إلى إنشاءبنك إنمائي وطني، يكون مؤسسة مالية متخصصة لإدارة الاستثمارات وتمويلمشروعات التنمية، ورافعة لرؤوس الأموال المحلية والدولية. هذا البنك لا يقتصر دورهعلى منح القروض، بل يعمل “كـمدير مالي” لخطة التنمية الوطنية، ينسق بين الحكومةوالقطاع الخاص والمستثمرين، ويوجه التمويل نحو المشاريع ذات الجدوىالاقتصادية العالية والأثر الاجتماعي المستدام.

أهمية هذا البنك تكمن في أنه يعيد بناء منظومة التمويل التنموي على أسس مؤسسية،ويمنح الأردن أداة تنفيذية لترجمة الخطط الاقتصادية إلى مشاريع إنتاجية. كما يمكنأن يكون منصة توظف الموارد المحلية والخارجية، من خلال استقطاب رؤوس أموالعربية ودولية ضمن شراكات استثمارية منظمة. وفي الوقت ذاته، يشكل البنك قناةتفاوض رسمية مع الدائنين والمؤسسات الدولية (بالاضافة لوزارة التخطيط)، ما يعززاستقلال القرار المالي الوطني ويعيد ترتيب أولويات التمويل الخارجي نحو التنميةالحقيقية لا نحو سد العجز المالي.

لكن الدور الأهم لهذا البنك يجب أن يكون في تحفيز الإنتاج المحلي ودعم الصادرات. فتمويل المشروعات الصناعية الجديدة وتحديث خطوط الإنتاج وتقديم ضماناتللمصدرين تمثل أدوات مباشرة لزيادة القيمة المضافة المحلية. كما يمكن للبنك أنيموّل توسع الشركات الأردنية في أسواق إقليمية جديدة، ويدعم الصناعات الصغيرةوالمتوسطة في سلاسل التوريد الوطنية، ما يسهم في رفع كفاءة الإنتاج وتقليل الاعتمادعلى الاستيراد.

إعادة التفكير في نموذج البنك التنموي الأردني ليس ترفًا مؤسساتيًا، بل ضرورةاقتصادية تفرضها متطلبات النمو والتحول الهيكلي في الاقتصاد الأردني. فغيابمؤسسة مالية وطنية تدير ملف التنمية جعل التمويل التنموي مشتتًا بين وزاراتوصناديق وجهات لا ترتبط برؤية موحدة، وأضعف التنسيق بين المانحينوالمستفيدين، فوجود بنك وطني واحد بإدارة مهنية مستقلة، يعمل وفق مبادئالحوكمة والشفافية، سيعيد الانسجام بين السياسات الاقتصادية وأدوات التنفيذالمالي. بنك إنمائي يمكن أن يكون الرافعة الحقيقية لرؤوس الأموال، والضامنلاستدامة المشاريع التنموية في الأردن. مؤسسة كهذه ستعيد تعريف العلاقة بينالدولة ورأس المال، وتمنح الاقتصاد الأردني أداة تنفيذية فعالة لتحويل الرؤى والخططإلى نتائج ملموسة.

قد يعجبك ايضا