تصعيد في غزة وأوكرانيا يقابله حراك صيني ـ روسي لرسم ملامح نظام عالمي جديد

كتب: محرر الشؤون السياسية

78

في مشهد دولي يزداد تعقيدًا، تتداخل الأزمات الإنسانية مع التحولات الجيوسياسية لتشكّل لوحة صراع مفتوحة على احتمالات واسعة.

ففي قطاع غزة، واصلت إسرائيل قصفها المكثف على الأحياء السكنية وخيام النازحين، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء يوميًا، بينهم أطفال ونساء، وأكدت وزارة الصحة في غزة أن عدد الضحايا منذ السابع من أكتوبر 2023 تجاوز 64 ألف شهيد وأكثر من 161 ألف مصاب، هذه الأرقام المفزعة جاءت مترافقة مع تقارير أممية تتحدث عن مجاعة متصاعدة في خان يونس ودير البلح، حيث أكد خبراء الأمم المتحدة أن إسرائيل تستخدم المجاعة كسلاح لإجبار السكان على النزوح، محذرين من أن العالم خذل أطفال غزة.

وفي الوقت ذاته، يزداد الغضب الشعبي داخل إسرائيل حيث خرجت عائلات الأسرى في احتجاجات تطالب الحكومة بقبول مقترحات الوسطاء، معتبرة أن البشارة التي يتطلع إليها الجميع هي إبرام اتفاق شامل يعيد الأسرى، هذا الضغط الداخلي يضع نتنياهو في مأزق متصاعد بين استمرار العمليات العسكرية وضغوط المجتمع الدولي والرأي العام المحلي.

بموازاة ذلك، تواصل الحرب الأوكرانية فتح جبهة استنزاف جديدة للنظام الدولي، فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية سيطرتها على بلدات جديدة في مقاطعتي زابوروجيا ودنيبروبيتروفيسك وإسقاط نحو 300 مسيّرة أوكرانية في يوم واحد، في حين أكد الجيش الأوكراني أن الهجمات الروسية استهدفت عدة مناطق بـ323 مسيّرة.

أما القيادة الأوكرانية فأكدت عبر مكتب الرئيس زيلينسكي أنها تواصل تنسيق المواقف مع الأوروبيين من أجل الوصول إلى سلام عادل ودائم، فيما شدد الأمين العام لحلف الناتو على أن قرار نشر قوات غربية في أوكرانيا لا يعود لروسيا.

هذه التطورات العسكرية والسياسية أعادت التأكيد على أن الأزمة الأوكرانية لا تزال بعيدة عن أي مخرج سياسي قريب، وأنها ستبقى ساحة مواجهة مفتوحة بين موسكو والغرب.

في هذا السياق، برزت بكين كلاعب محوري يسعى إلى إعادة صياغة قواعد النظام الدولي، فقد وجّهت وزارة الخارجية الصينية انتقادات لاذعة لبعض قادة الاتحاد الأوروبي، متهمة إياهم بتبني “عقلية الحرب الباردة” والتحيز الأيديولوجي وزرع بذور المواجهة والانقسام عن عمد.

وأكدت بكين أنها ستواصل العمل مع موسكو لبناء نظام عالمي أكثر عدلاً وإنصافًا، مع التشديد على أن علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة ليست موجهة ضد طرف ثالث.

هذه الرسائل تعكس بوضوح رغبة الصين في تقديم نفسها كقوة متوازنة تسعى إلى إرساء بديل للنموذج الغربي، وهو ما يضعها في مواجهة خطاب أوروبي متشدد يعتبر أن أمن أوكرانيا جزء من أمن أوروبا، ويعيد إحياء خطوط التماس بين الشرق والغرب.

التوازي بين حرب غزة وأوكرانيا من جهة، وتصاعد الحراك الصيني ـ الروسي من جهة أخرى، يكشف عن عالم ينزلق إلى مرحلة جديدة من الاستقطاب.

الإعلام بدوره برز كعامل مؤثر في هذا المشهد، حيث نشرت صحيفة الغارديان البريطانية بيانات مسربة من الجيش الإسرائيلي تكشف أن ربع المعتقلين فقط في غزة مصنفون كمقاتلين، ما يضعف السردية الرسمية الإسرائيلية ويعزز من أهمية الصحافة الاستقصائية في كشف الحقائق وتوجيه الرأي العام الدولي.

إن المشهد الراهن يعكس عالمًا يتشكّل على وقع الدماء في غزة والمعارك في أوكرانيا والخطابات التصادمية بين الصين والاتحاد الأوروبي.

الاحتمالات مفتوحة: إما تصعيد واسع يقود إلى فوضى أكبر، أو تجمّد مرن يطيل أمد النزاعات، أو توافقات جزئية قد تؤسس لمرحلة انتقالية نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، غير أن المرجّح الآن هو استمرار الجمود مع تفاقم المعاناة الإنسانية، في وقت تستعد فيه بكين وموسكو لملء الفراغ الذي يخلّفه تراجع الثقة في المنظومة الدولية التقليدية.

أما الأردن ودول الجوار، فتقف أمام تحديات إنسانية وأمنية متنامية نتيجة استمرار القصف ومخاطر النزوح، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى توازن دبلوماسي يحافظ على الاستقرار الداخلي والإقليمي.

قد يعجبك ايضا