تصعيد ميداني وخطط سياسية تعيد رسم مستقبل غزة والضفة

كتب: محرر الشؤون السياسية

52

العقبة اليوم – تشهد المنطقة في الأيام الأخيرة تسارعًا لافتًا للأحداث، يجمع بين التصعيد العسكري في غزة والضفة الغربية ولبنان، والتحركات السياسية في تل أبيب وواشنطن لرسم ملامح المرحلة المقبلة.

ميدانيًا، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية العثور على جثة جندي شمال البلاد، وفتحت الشرطة العسكرية تحقيقًا في الحادثة، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن جنديًا في بئر السبع أطلق النار على الحراس في وحدة إعادة التأهيل بسبب معاناته النفسية، هذه الوقائع تكشف حجم الضغط الداخلي الذي يعانيه الجيش الإسرائيلي في ظل طول أمد الحرب.

في الضفة الغربية، أفادت مصادر للجزيرة بأن قوات الاحتلال اقتحمت بلدة بيت ريما غرب رام الله، في وقت تتكرر فيه العمليات العسكرية الواسعة، ما يعكس استراتيجية إسرائيلية تقوم على الضغط المزدوج على الضفة وغزة.

أما في القطاع، فقد كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن الجيش يستعد لتجنيد 60 ألف جندي احتياط، مع تقديرات من القناة 13 باحتمال مقتل نحو 100 جندي في العملية العسكرية المرتقبة لاحتلال غزة، في إشارة إلى كلفة بشرية متوقعة.

في لبنان، شنت مسيرة إسرائيلية غارة على حفارة في بلدة رب ثلاثين جنوبي البلاد، وهو تطور يؤكد اتساع رقعة المواجهة مع “حزب الله”، واحتمال انزلاق الأوضاع إلى جبهة موازية للحرب في غزة.

دوليًا، برزت تصريحات وزير الخارجية البريطاني التي دعت إلى وقف فوري للعملية العسكرية في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، محذرًا من تعميق الأزمة إذا استمر التصعيد. بالتوازي، شددت منظمة العفو الدولية على أن أسطول “الصمود العالمي” يمثل تضامنًا مع الفلسطينيين تحت الحصار، وطالبت إسرائيل بالسماح له بتنفيذ مهمته بأمان، وهو ما يضع تل أبيب أمام ضغوط حقوقية متصاعدة.

أما التطور الأكثر حساسية فجاء من واشنطن وتل أبيب، فقد كشفت “تايمز أوف إسرائيل” وصحيفة “واشنطن بوست” عن مقترح يجري بحثه في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإخضاع غزة لـ وصاية أميركية لعشر سنوات تحت اسم مشروع GREAT Trust، الخطة تقترح تحويل القطاع إلى مركز صناعي وسياحي وتكنولوجي، مع تقديم حوافز مالية لسكان يرغبون في مغادرته مؤقتًا أو دائمًا، بتمويل أعدت نماذجه مجموعة بوسطن الاستشارية، وقدرت أن العوائد الاستثمارية تصل إلى 100 مليار دولار خلال عقد.

في المقابل، أوردت “واشنطن بوست” تفاصيل عن إنشاء ما يسمى مؤسسة غزة الإنسانية، تقوم على إعادة تطوير الأراضي عبر “رموز رقمية” لأصحابها، وتدخل المساعدات عبر تنسيق أمني أميركي – إسرائيلي. غير أن الأمم المتحدة أكدت استشهاد أكثر من ألف فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من هذه المؤسسة منذ أيار/مايو الماضي، معظمهم برصاص قوات الاحتلال.

وفي تل أبيب، ناقش الكابينت الأمني الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو سيناريوهات لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن. وزراء اليمين المتطرف، بينهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، دفعوا باتجاه الضم الجزئي أو الكامل، مع خيارات تتراوح بين ضم المنطقة “ج” كاملة (60% من الضفة) أو ضم المستوطنات ومحاور الطرق وغور الأردن (30%).

ميدانيًا، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى إزالة جدران خرسانية في مستوطنة كيبوتس ناحل عوز وإعادة فتح طريق 25 بعد خمس سنوات من إغلاقه، في مؤشر على تراجع التهديدات على مستوطنات “غلاف غزة”.

تكشف هذه التطورات عن خطة مزدوجة:

  • على جبهة غزة، تعمل إسرائيل بالتنسيق مع واشنطن على إعادة صياغة مستقبل القطاع، إما بتحويله إلى منطقة اقتصادية تحت وصاية أميركية أو بدفع سكانه إلى الهجرة عبر إغراءات مالية، في عملية قد تؤدي إلى هندسة ديمغرافية جديدة.

  • في الضفة، تستغل الحكومة الإسرائيلية الانشغال الدولي بحرب غزة لطرح خيارات ضم واسعة، بما يعزز سيطرتها الاستراتيجية على الأرض.

إقليميًا، يظل لبنان ساحة مفتوحة لاحتمالات التصعيد، فيما تحاول إيران وتركيا تكثيف التنسيق السياسي لموازنة النفوذ الإسرائيلي. أما دول أوروبا، فتظهر مواقف متباينة بين دعم إسرائيل والضغط عليها إنسانيًا.

في المحصلة، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة تشكيل عميقة، تتجاوز كونها مواجهة عسكرية إلى كونها مشروعًا لإعادة ترسيم الخرائط السياسية والديمغرافية، بما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الصراع الممتد.

قد يعجبك ايضا