الاحترار والحروب: نيران تلتهم الكوكب والإنسانية معًا

عمان- العقبة اليوم الإخباري

16

الحرائق والحروب معًا وجهين لعملة واحدة
الحرائق والحروب معًا وجهين لعملة واحدة

 

في الوقت الذي كانت فيه طائرات الإطفاء تحلق فوق غابات جزيرة كريت المنكوبة بالنيران، كانت أعمدة الدخان تتصاعد أيضًا من مدن غزة وشرق أوكرانيا والخرطوم، بفعل قصف مدفعي أو غارات جوية، مشهدان مختلفان في الشكل، متشابهان في الجوهر: احتراق الأرض، واحتراق الإنسان.

لقد أصبحت الحرائق والحروب معًا وجهين لعملة واحدة: نيران متعددة المصادر، يطلقها الاحتباس الحراري من جهة، ويغذيها السلاح والنزاعات من جهة أخرى، وتلتقي كلها في النتيجة ذاتها: نزوح، دمار، اختناق، وموت بطيء للبيئة والكرامة الإنسانية.

يشير تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) إلى أن التغير المناخي يزيد من شدة الكوارث الطبيعية وعلى رأسها حرائق الغابات، التي ازدادت بنسبة 30% خلال العقدين الماضيين.

وفي 2023 وحده، أطلقت حرائق الأمازون وكندا واليونان نحو 8.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي (Le Monde, 2024). هذا الانبعاث الكربوني الهائل لا يلوث الهواء فقط، بل يساهم أيضًا في تعزيز حلقة الاحترار العالمي التي تغذي نفسها ذاتيًا، لتفتح الباب أمام موجات حر وجفاف جديدة، وحرائق أكبر.

في المقابل، تأتي الحروب المسلحة، خصوصًا تلك التي تجري في الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق أوروبا، كعامل إضافي في تدمير البيئة، وتخريب البنية التحتية الإنسانية. فحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تسببت الحروب بين 2010 و2020 في فقدان ما يزيد عن 30 مليون شخص لمساكنهم، وأكثر من 70% من هؤلاء نزحوا إلى مناطق ذات هشاشة بيئية عالية، مما زاد من الضغط على الموارد الطبيعية.

ومما يثير القلق، أن بعض النزاعات المسلحة ليست فقط ضحية للتغير المناخي، بل هي أيضًا نتيجة له، ففي السودان وسوريا ومناطق الساحل الإفريقي، ارتبطت الحروب الأهلية بنقص المياه والتصحر والجفاف الحاد، حيث دفع الصراع على الموارد الشحيحة المجتمعات نحو العنف والصدام. ومن ثَم، يتحول المناخ إلى لاعب سياسي غير مرئي، يخلق أزمات متكررة في دول منهكة.

المدنيون هم الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، فبينما يحترق الغلاف الجوي بحرائق الغابات، يموت آلاف الأطفال خنقًا من دخان القنابل. وبينما يتراجع الغطاء النباتي، تفقد الأسر مصادر رزقها، وتُحاصر بالمجاعات. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 90% من سكان العالم باتوا يتنفسون هواءً غير نقي، سواء بسبب نيران الغابات أو الانفجارات العسكرية أو مزيج من كليهما.

في غزة مثلًا، لا تقتصر الحرب على القصف والهدم، بل تشمل حرائق بيئية متعمدة، حيث تحرق القوات الغازية المحاصيل الزراعية، وتدمر البنية التحتية للمياه والكهرباء، مما يُسرّع في انهيار البيئة الحضرية، ويحوّل المناطق المأهولة إلى جزر غير صالحة للحياة.

وفي أوكرانيا، تم استهداف منشآت الطاقة ومحطات المعالجة، الأمر الذي سبب تسرب مواد خطرة إلى الهواء والتربة والمياه.

اللافت أن الحرب والاحترار لا يتشاركان فقط في النتيجة، بل في تسارع الإيقاع؛ فكلاهما باتا يحدثان بوتيرة غير مسبوقة، فقد سجل عام 2023 أعلى معدل حرائق غابات في كندا منذ بدء التوثيق، وفي ذات العام، اندلع أكثر من 183 نزاعًا مسلحًا حول العالم، بعضها يرتبط بشكل مباشر بعوامل بيئية.

العالم اليوم يقف أمام سؤال وجوديهل باتت البشرية تحرق نفسها بيديها؟ وهل يمكن وقف هذه الحلقة المزدوجة من اللهيب الطبيعي والبشري؟

توصي تقارير دولية منها تقارير WMO وIPCC، بضرورة دمج العمل المناخي ضمن خطط بناء السلام، والعكس، فكما أن الاحترار العالمي يولّد الحروب، فإن وقف الحروب وتثبيت الاستقرار السياسي يسهمان في تحسين فرص التكيّف المناخي، والحد من الكوارث البيئية.

 لا يمكن للإنسان أن يتنفس وسط الرماد، ولا يمكن لأي حضارة أن تنمو فوق أرض محروقة. إن وقف الاحترار والحروب معًا لم يعد خيارًا بيئيًا أو إنسانيًا فحسب، بل هو خيار البقاء.

مصادر التقرير:

برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP.

Le Monde 2024: تقرير حرائق كندا واليونان.

The Guardian 2024: وفيات الحرائق وتلوث الهواء.

معهد SIPRI تقرير النزاعات والبيئة.

تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).

منظمة الصحة العالمية (WHO).

قد يعجبك ايضا