علاج مجاني وسرّية وحماية… ثلاثية المركز “معالجة الإدمان” .. إنقاذ بلا توقف

17

علاج مجاني وسرّية وحمايةثلاثية المركز

“معالجة الإدمان” .. إنقاذ بلا توقف

من “الماريجوانا” إلى الصرع.. رحلة انتهت بالتعافي

“كنت أفقد نفسي”.. قصة شاب استعاد توازنه

البرماوي: العلاج الطوعي يعفى من العقوبة

العقبة الإخباري- آيات بكر

لم تكن البداية سيجارة عابرة.. ولا كانت التجربة “فضولًا” يمكن تداركه، ففي كل قصةمن قصص الشباب الذين عبروا بوابة مركز معالجة الإدمان التابع لإدارة مكافحةالمخدرات، تبدأ الحكاية بخطوة صغيرة تنقلب إلى هاوية، وتُختتم بقرار شجاع يعيدالحياة إلى مسارها الطبيعي.

بين من جرّب الحشيش ظنًا أنه يهرب من واقعه، ومن انزلق من “الماريجوانا” إلىأخطر أنواع المخدرات وصولًا لنوبات الصرع، تبرز شهادات المتعافين كمرآة صادقةتكشف حجم الخطر، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن العودة ممكنة، وأن الأمل حيّ ما دامهناك مركز يفتح أبوابه دون شروط، ويقدم العلاج مجانًا بسرية تامة.

روى المتعافي د.م، البالغ من العمر 19 عامًا، أنه بدأ تعاطي الحشيش قبل ثلاث سنوات،قبل أن ينتقل إلى حبوب “الكبتاجون” و”اللاريكا”، ما تسبب له بمشكلات أثّرت على مستقبله وعلاقته بأسرته ومحيطه.

ويشير إلى أن اتخاذ قرار العلاج كان نقطة التحول التي أعادته إلى الطريق الصحيح،وقال: “كنت أفقد نفسي يوميًا”، بعد أن وجد في المركز بيئة داعمة وسرية كاملة وبرامج علاجية ساعدته على استعادة توازنه.

أما المتعافى ح.ز (22 عامًا) فيحكي أنه بدأ تعاطي “الماريجوانا” عام 2016، ثم انحرف تدريجياً  نحو “جالاَيكا” و”لاريكا”، ما تسبب له بنوبات صرع عند انقطاع الجرعة.

وبحسب روايته، فإن هذه المواد استنزفت حياته ودمرت علاقاته، قبل أن يجد في مركزمعالجة الإدمان ملاذًا مهنيًا وإنسانيًا منحه بداية جديدة.

تعكس هذه القصص ما يواجهه مئات الشباب الذين يعبرون باب المركز كل عام،لتكشف عن حجم المشكلة من جهة، وعن الدور المحوري الذي يؤديه المركز من جهةأخرى.

من هنا يبدأ دور مركز معالجة الإدمان الذي تأسس عام 1993 بطاقة لا تتجاوز 18 سريرًا، قبل أن ينتقل عام 2009 إلى موقعها الحالي بطاقة 170 سريرًا، وفق ما أكده رئيس المركز المقدم يزن البرماوي لـ”الرأي”، وأوضح أن إنشاء المركز جاء في وقت لمتكن فيه أي جهة متخصصة في علاج الإدمان، لتتولى مديرية الأمن العام هذه المهمة بوصفها مسؤولية إنسانية ووطنية.

وأشار إلى أن المركز جاء كخطوة استباقية لغياب أي جهة علاجية متخصصة آنذاك،ليصبح اليوم أحد أهم المهام الإنسانية التي تنهض بها المديرية، مقدّمًا العلاج مجانًابالكامل بما يشمل الإقامة والبرامج الطبية والنفسية والسلوكية والاجتماعية.

وكشف البرماوي أن المركز استقبل منذ بداية العام 3150 حالة، من بينها 1831 حالة ضمن  برنامج الرعاية اللاحقة، منهم مرضى متعثرين يراجعون المركز للمتابعة بعد إنهاء المعالجة.

وأشار إلى أن الكادر العامل بالمركز يتبع مديرية الأمن العام ويعمل وفق قانون يحمي كل  من يلجأ للعلاج من تلقاء نفسه أو برفقة أحد ذويه من أي مسؤولية قانونية، ويعفى من  العقوبة، ضمن سرية، إذ يُمنح كل مريض اسمًا وهميًا ويُسمح بالزيارة فقط للأقارب من الدرجة الأولى، ضمن ثلاث ركائز ثابتة: الإعفاء القانوني، والعلاج المجاني، والسريةالتامة.

وأوضح البرماوي أن استقبال المرضى يتم 24 ساعة يوميًا، ويتم بعد دخولهم إعدادخطة علاجية فردية بالتعاون مع أطباء وزارة الصحة، بهدف السيطرة على الأعراضالانسحابية ومنع المضاعفات مثل التشنجات والمشاكل القلبية والهلوسات، إذ تشمل مراحل العلاج، إزالة السمية وبرامج نفسية وسلوكية وتأهيل اجتماعي وأنشطة رياضية وثقافية ودينية ودعم أسري موازٍ للعملية العلاجية.

ولفت إلى أن التعافي لا يعتمد على العلاج الطبي فحسب، بل على توفير بدائل وأنشطة تساعد المرضى على استعادة التوازن، إذ يحتوي المركز على: صالة رياضية وجم وكرة قدم وطائرة وصالة كاراتيه، وألعاب ترفيهية (بلياردو، تنس)، ومرسم ومشغل الفخار، ومسرحيات وبرامج فنية، وورش تدريب مهني مثل دراي كلين، وصالون حلاقة، والخياطة، إذ تهدف هذه البرامج لتمكين المتعافى من اكتساب مهارات تساعده على الانخراط في سوق العمل.

وحذّر البرماوي من تجربة المخدرات مهما كانت بسيطة، قائلاً: “مجرد تجربة سيجارةحشيش واحدة قد تكون بداية الانجراف، فهي مفتاح لباقي المواد وقد تؤدي إلىالانهيار أو الموت أو السجن”.

من جانبه، قال الطبيب المعالج إبراهيم عشا إن التشخيص يبدأ بالملاحظة السلوكية،إذ تتغير تصرفات الشخص بشكل يلفت الانتباه، بينما يثبت التشخيص بدقة عبرالفحص السريري والمخبري.

وأوضح أن المتعاطي والمدمن هما “وجهان لعملة واحدة”، إذ يبدأ المدمن غالبًابمرحلة تعاطٍ متقطع قبل أن يصل إلى الاعتماد الكامل على المادة.

وبيّن عشا أن رحلة العلاج تبدأ ببناء الثقة مع المريض وتوفير السرية التامة، ثم التعامل مع الأعراض الانسحابية قبل الانتقال إلى العلاج بالبدائل والأنشطة المتنوعة داخل المركز.

وقال إن الأنشطة الرياضية والاجتماعية والحرف اليدوية تعد أفضل بدائل تساعدالمريض على تجاوز المادة.

وأشار إلى أن المواد المخدرة تُقسم إلى محفزات ومثبطات، ولكل منها خطة علاجيةخاصة من حيث الأعراض الانسحابية والأدوية، وتختلف مدة العلاج وفق فترة التعاطي،إذ يحتاج من تعاطى لفترة طويلة إلى وقت أطول ودعم أكبر.

وحذّر عشا من المواد التي تسبب تلفًا دماغيًا دائمًا قد يؤدي إلى الهلوسة والاضطراباتالذهانية، إضافة إلى أضرار الكحول على الكبد والقلب والعضلات والجلد.

وأكد أن العلاج الحقيقي يبدأ من الدعم الأسري والاجتماعي، وأن نجاح التعافي يتطلب بين الأسرة والمجتمع والقانون والدولة

استطاع المركز أن يشكّل نقطة تحول حقيقية في حياة آلاف الأردنيين الذين عادوا إلى أسرهم ومجتمعهم أكثر قوة ووعياً. وبينما تستمر المخاطر المحيطة بالشباب وتتنوع أساليب جذبهم نحو الإدمان، يظل المركز مثالًا مضيئًا على الدور الإنساني والأمني الدؤوب الذي تقدمه مديرية الأمن العام لحماية أبناء الوطن وإعادة الأمل لمن ظنّوا أن الطريق قد أُغلق أمامهم.

.(الرأي).

قد يعجبك ايضا