ملف الأشجار الناشفة بين الإهمال وسوء الادارة

27

 

د. محمود ابو رمان

في وقت تتزايد فيه التحديات البيئية والاقتصادية، يبقى ملف الأشجار الناشفة من اللزاب والصنوبر في غابات المملكة واحداً من أكثر الملفات إهمالاً وغموضاً في إدارة الموارد الطبيعية ، فالأشجار الميتة التي تقدر بالآلاف من الأطنان من تُترك في الغابات دون إزالة، رغم أن بقاءها يشكّل عبئاً بيئياً وخطراً حقيقياً من حيث الحرائق والتلف وانتشار الآفات، فضلاً عن ضياع فرصة الاستفادة منها اقتصادياً بشكل منظم.

لقد غابت الرؤية المتكاملة عن هذا الملف، فلا وزارة الزراعة قامت بإزالة تلك الأشجار واستبدالها بأشجار جديدة، ولا سمحت بإقامة شراكات منظمة مع القطاع الخاص (من الحطابين أو الجمعيات المحلية) ضمن رخص رسمية محكومة بالرقابة تضمن الاستفادة من هذه الأخشاب وتوفير فرص عمل مشروعة للشباب في المناطق الريفية.

إنّ ما نشهده اليوم من حوادث ووفَيات مؤسفة، مثل حادث المرحوم بلال أبورمان – رحمه الله – الذي لجأ إلى الاحتطاب من الأشجار الناشفة ليعيل نفسه بعد أن ضاقت به سبل العمل، ما هو إلا نتاج مباشر لسوء إدارة هذا الملف.
فقد تركت السياسات الغامضة الشباب بين خيارين أحلاهما مر:
إما التعرض للمخالفة والملاحقة من الطوافين والحراج وهم يسعون وراء لقمة العيش، أو البقاء بلا عمل في مناطق يغيب عنها أي مشروع تنموي أو بدائل اقتصادية حقيقية.

إنّ السؤال الذي يجب أن تواجهه الحكومة ووزارة الزراعة بوضوح هو:
إلى متى سيبقى هذا الملف بلا حلّ؟
إلى متى نغضّ الطرف عن ثروة خشبية ضخمة تذهب هدراً، وعن بشر يفقدون حياتهم أو يُعرضون للملاحقة لأنهم حاولوا الاستفادة من مورد متروك أصلاً بلا نفع؟

إنّ المطلوب اليوم قرار وطني شجاع ينقل هذا الملف من خانة الإهمال إلى ميدان الإصلاح العملي، من خلال:
1. إطلاق برنامج وطني لإزالة الأشجار الناشفة واستبدالها بزراعة جديدة.
2. فتح باب الشراكة المنظمة مع القطاع الخاص عبر نظام رخص احتطاب محددة الكمية والمكان والمدة.
3. تحويل الأخشاب المزالة إلى مورد إنتاجي يرفد الصناعات الخشبية المحلية ويوفر فرص عمل للشباب.
4. إعادة النظر في الإجراءات والعقوبات الميدانية التي طالت كثيراً من البسطاء دون معالجة جذرية للمشكلة.

إنّ استمرار هذا الصمت الرسمي لا يخدم البيئة ولا المواطن، بل يكرّس الفجوة بين القرارات والواقع، ويجعل من قصص مثل قصة بلال أبورمان جرس إنذار قاسٍ يجب أن يُسمع.
فالمسألة ليست احتطاباً فقط، بل قضية إدارة، وعدالة، ومسؤولية تجاه الإنسان والأرض

قد يعجبك ايضا