المطلوب من هيئة الأوراق المالية لتعزيز جاذبية سوق رأس المال

د. رعـد محمود التـل

18
على الرغم من المرونة التي يتمتع بها سوق رأس المال الأردني، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التي تقف عائقاً أمام إطلاق إمكاناته الكاملة. وبصفتها الجهة التنظيمية الرئيسية، يمكن لهيئة الأوراق المالية أن تلعب دوراً محورياً في معالجة هذه القضايا. فالسوق المالي بشكل عام يعاني من ضعف السيولة وأحجام التداول، حيث يتسم بانخفاض نشاط التداول وقلة عدد المستثمرين النشطين، وهو ما قد يجعل من الصعب على المستثمرين بيع أو شراء كميات كبيرة من الأسهم دون التأثير بشكل كبير على أسعارها. يضاف إلى ذلك الافتقار إلى التنوع في الأدوات المالية، حيث يهيمن على السوق بشكل كبير الأسهم والسندات التقليدية، بينما تبقى المنتجات الاستثمارية الأخرى مثل المشتقات المالية وصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) والصكوك الإسلامية محدودة، وهو ما يحد من الفرص الاستثمارية وقدرات إدارة المخاطر.
كما يواجه السوق تحدي تركز الملكية، إذ يستحوذ عدد قليل من كبار المساهمين والمؤسسات على نسبة كبيرة من الأسهم في العديد من الشركات المدرجة، الأمر الذي يقلل من عدد الأسهم المتاحة للتداول العام ويؤثر سلباً على السيولة. ويعاني السوق أيضاً من محدودية عمق الشركات المدرجة، حيث يحتوي على عدد قليل من الشركات الكبيرة والمعروفة، وهو ما يقلل خيارات المستثمرين ويحد من قدرته على استيعاب تدفقات رأسمالية كبيرة.
أما على صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، فرغم التقدم الذي أحرزه الأردن في هذا المجال، إلا أن سوق رأس المال لا يزال يواجه صعوبة في جذب استثمارات أجنبية كبيرة بسبب المخاطر المتصورة أو عدم الإلمام الكافي بالسوق. ويضاف إلى ذلك بطء التحول الرقمي، فرغم وجود بعض التقدم، إلا أن هناك حاجة لتعزيز البنية التحتية الرقمية للتداول والإفصاح وخدمات المستثمرين، بما في ذلك الانتقال نحو مزيد من التداول الإلكتروني والعمليات المؤتمتة.
إلى جانب ذلك، هناك قصور في تثقيف المستثمرين، إذ يفتقر العديد من المستثمرين المحتملين، وخاصة الأفراد والمشاريع الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، إلى المعرفة الكافية حول كيفية الاستثمار والمخاطر المرتبطة به والمنتجات المختلفة المتاحة، مما يحد من المشاركة في السوق. كما تبقى حوكمة الشركات والشفافية مجالاً للتحسين، حيث يمكن رفع مستوى ممارسات الحوكمة والإفصاح في الوقت المناسب لبناء ثقة أكبر لدى المستثمرين.
ويُضاف إلى هذه التحديات غياب منظومة قوية لرأس المال الجريء وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يجبر العديد من الشركات الناشئة والنامية على الاعتماد الكلي على القروض البنكية التي قد تكون مقيدة. كما يواجه السوق منافسة إقليمية قوية من أسواق أكبر وأكثر سيولة وتطوراً مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة.
كل هذه تحديات ماثلة أمام هيئة الاوراق المالية لكن ما هي الحلول ؟ لمعالجة هذه التحديات، يمكن القيام بعدة خطوات! أولها، تعزيز سيولة السوق من خلال إدخال آليات تداول جديدة مثل أنشطة صناعة السوق لتشجيع التداول المستمر وزيادة السيولة، إلى جانب مراجعة وتعديل التشريعات لخفض تكاليف التداول (وهو ما حدث مؤخراً) لجعل السوق أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب. وثانيها، توسيع نطاق الأدوات المالية عبر تسهيل إدراج وتداول منتجات مالية جديدة وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية اللازمة، بما في ذلك صناديق المؤشرات المتداولة والمشتقات المالية وأنواع أكثر تنوعاً من السندات.
كما يمكن للهيئة تعزيز حماية المستثمرين والشفافية من خلال تشديد الأنظمة المتعلقة بالتداول بناءً على معلومات داخلية والتلاعب بالسوق، وفرض الإفصاح الدقيق وفي الوقت المناسب عن المعلومات المالية والجوهرية من قبل الشركات المدرجة، وإلزام هذه الشركات بتبني معايير أعلى لحوكمة الشركات. وإلى جانب ذلك، يأتي تطوير البنية التحتية للسوق بالتعاون مع بورصة عمان ومركز إيداع الأوراق المالية من خلال الاستثمار في تحديث المنصات الرقمية وتطبيق تسجيل رقمي كامل للمستثمرين.
ومن الإجراءات المهمة أيضاً إطلاق حملات شاملة لتثقيف المستثمرين تهدف إلى توعية الجمهور بفوائد ومخاطر الاستثمار والمنتجات المتاحة وطرق استخدام المنصات الرقمية. ويمكن كذلك تهيئة بيئة مواتية للشركات الناشئة من خلال العمل مع الجهات الحكومية الأخرى لدعم رأس المال الجريء والملكية الخاصة، عبر متطلبات إدراج مبسطة أو إنشاء شريحة سوق متخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى ذلك كله، يمكن التفكير في تشجيع الشركات المساهمة الخاصة، المملوكة من خمسة وعشرين شخصاً أو أكثر، على التحول إلى شركات مساهمة عامة مدرجة في بورصة عمان، وذلك عبر منح حوافز محددة لهذه الشركات. كما يمكن السماح للبنوك بالتعاون مع البنك المركزي برفع نسبة استثماراتها في الأوراق المالية، وتشريع يستوجب استثمار ربع بالمئة (0.25%) من الأرباح المدورة أو الاحتياطي الإجباري للشركات المساهمة العامة في الأوراق المالية مثلاً. وأخيراً، يمكن تخفيض الرسوم على التداول وإلغاء الضريبة على الأرباح الرأسمالية المتحققة تحت سقف محدد.
إن السوق المالي الأردني يقف اليوم عند مفترق طرق. فهو يملك بنية تنظيمية متماسكة وتاريخاً طويلاً من الصمود، لكنه بحاجة إلى إصلاحات جريئة تعالج جوانب السيولة، التنوع، الحوكمة، والتحول الرقمي. وإذا ما نجحت هيئة الأوراق المالية في قيادة هذه الإصلاحات وفق رؤية واضحة وشراكة مع باقي المؤسسات، فإن السوق المالي لن يكون مجرد منصة تداول، بل رافعة حقيقية لدعم النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء.

رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية

قد يعجبك ايضا