الزواج اليوم: فرحة يوم وتسديد لسنين
رغد البطيخي
كثيرًا ما نشاهد حفلات زفاف تحمل مظاهر بذخ فاقعة، وكأننا نقرأ عنها في كتب الخيال أو قصص غير واقعية. لكن، هل من الضروري أن تُنفق هذه المبالغ الباهظة لإقامة مثل هذه الاحتفالات؟ وهل تؤثر هذه التكاليف العالية على نجاح الزواج واستمراريته، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة تأمين دخل كافٍ؟
وفقًا لتقرير رسمي صدر مؤخرًا، وصلت نسبة العنوسة في الأردن لعام 2024 إلى حوالي 45%، مع وجود ما يقرب من مليون عزباء فوق سن 35 عامًا. ورغم أن عقود الزواج شهدت زيادة بنسبة 5.3% مقارنة بعام 2023، إلا أن تكاليف الزواج الباهظة لا تزال تشكل عبئًا ثقيلاً على الشباب، مما يؤخر الكثيرين منهم عن اتخاذ قرار الارتباط.
يُلاحظ أن أحد أهم مطالب الزواج، وربما الأهم، هو إقامة حفل زفاف في قاعة أو فندق من فئة خمس نجوم. وكلما كان الحفل أفخم، زاد شعور البعض بأن للزوج مكانة وشأنًا رفيعًا. لكن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، أصبح الزواج عبئًا ثقيلًا نظرًا لكثرة المتطلبات، إضافة إلى ضرورة توفير سكن مناسب، ومهر، وذهب، ومقدمات أخرى، كلها تكاليف تثقل كاهل الرجل.
على الرغم من أن إقامة حفل فاخر قد لا تكون من الضرورات، إلا أنها أصبحت في كثير من الأحيان مطلبًا أساسيًا، لا لأسباب جوهرية، بل لمجرد التفاخر والتباهي، أو لمقولة مأثورة مثل: “ابنتي ليست أقل من فلانة”. نتيجة لذلك، يلجأ الكثير من الأزواج إلى الاستدانة بفوائد مرتفعة لتلبية هذه الاحتياجات، لتبدأ بعدها رحلة السداد التي قد لا تنتهي، بل قد تزداد، خاصة مع قدوم المسؤوليات الجديدة مثل الإنجاب.
هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الاستقرار المالي للأزواج، بل قد تكون أحد الأسباب التي تزيد من معدل العنوسة من كلا الجانبين، حيث تُثقل تكاليف الزواج المادية كاهل الشباب وتؤخر اتخاذهم قرار الارتباط.
لذا، يجب علينا نشر ثقافة الزواج البسيط والمعتدل، والتركيز على جو الفرح والمودة بدلاً من مظاهر البذخ والتفاخر. بالإضافة إلى ضرورة وضع ميزانية واقعية تضمن تلبية الاحتياجات الأساسية دون إسراف. فالتخطيط المسبق يساعد في تقليل الديون والضغوط المالية. كما أن تشجيع الحفلات الصغيرة في المنازل أو الأماكن البسيطة يمنح جوًا دافئًا.
علينا أيضًا الابتعاد عن المقارنات الاجتماعية، لأن قيمة الزواج ليست في فخامة الحفل، بل في قوة العلاقة بين الزوجين.
وفي النهاية، يجب أن نعلم بأن الزواج بداية حياة جديدة تحمل في طياتها الكثير من المسؤوليات والتحديات، لذا يجب أن يكون الاحتفال به وسيلة للفرح، لا عبئًا ماديًا يُثقل كاهل العروسين. بالتوازن بين العادات والتقاليد والواقع الاقتصادي، يمكن أن نحافظ على القيم الاجتماعية ونبني علاقات زوجية أكثر استقرارًا وسعادة.