الحكومات تفعل هذا ايضاً
ماهر أبو طير
اللجوء الى التقاعد المبكر لا تمارسه فقط المؤسسات والشركات الخاصة، بل تمارسه الحكومات ايضا من اجل نقل عبء الرواتب الى الضمان الاجتماعي، بدلا من الخزينة، وهي ظاهرة أضرت كثيرين في الأردن.
مناسبة هذا الكلام الجو السائد في الأردن حول الضمان الاجتماعي، والتحذيرات حول الاستدامة المالية، وكأنه ينقصنا قلق فوق القلق.
يخرج الناطق الرسمي باسم الضمان الاجتماعي ويصرح لقناة المملكة ويحذر من التزايد الملحوظ في توجه العاملين نحو التقاعد المبكر، على حساب تقاعد الشيخوخة، ويشير إلى أن هذه الظاهرة باتت تؤثر بشكل مباشر على الاستدامة المالية للمؤسسة، وكلنا يعرف ان هدف التقاعد المبكر البحث عن وظيفة اضافية سرية او علنية، او الهجرة خارج الأردن.
يضيف الناطق الرسمي ان عدد المؤمن عليهم تحت مظلة الضمان الاجتماعي بلغ مليونًا و600 ألف شخص، فيما بلغ عدد المتقاعدين 261 ألفًا، من بينهم 160 ألف متقاعد اختاروا التقاعد المبكر، أي ما نسبته 63 % من إجمالي المتقاعدين، ويؤشر إلى أن فاتورة الرواتب التقاعدية الشهرية للمؤسسة تجاوزت 161 مليون دينار خلال شهر حزيران الماضي، ما يشكل ضغطاً مالياً كبيراً، خصوصاً مع ازدياد أعداد المتقاعدين مبكراً، ويقول ايضا ان بعض مؤسسات القطاع الخاص تلجأ إلى التقاعد المبكر كحل للتخفيف من كُلف الرواتب المرتفعة، حيث يتم إنهاء خدمات بعض الموظفين ودفعهم للتقاعد قبل بلوغهم السن القانونية، كما أن بعض العاملين أو العاملات أنفسهم يتجهون للتقاعد المبكر وهم في قمة عطائهم الوظيفي بين سن 45 و50 عاماً.
ملف الضمان الاجتماعي تم التحذير منه مرارا على ألسن خبراء معروفين كانوا يعملون في الضمان الاجتماعي، ولم يسمع لهم احد، مما يجعلنا اليوم امام الخلاصة التي تحدث عنها الناطق الرسمي اي الحاجة الى اجراء تعديلات على تعليمات التقاعد المبكر، والتي ستكون ضمن مخرجات الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة، والمقرر إطلاقها في شهر تشرين الثاني.
وقبل ايام يخرج صندوق النقد الدولي، وقال في التقرير الصادر حول المراجعة الثالثة لبرنامج الأردن ضمن التسهيل الممدد أن قانون الضمان الاجتماعي في الأردن بحاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي لضمان استدامته المالية على المدى الطويل، وذلك في ظل تصاعد الضغوط الديموغرافية المتوقعة، وعلى رأسها ارتفاع نسبة الشيخوخة في العقود المقبلة، مشيرا الى ان الضمان الاجتماعي برغم تحقيق فوائض مالية الا انها لن تكون كافية لضمان الاستدامة المالية ما لم تنفذ إصلاحات هيكلية جوهرية.
ما يراد قوله هنا يتعلق بعدة عناوين، ابرزها ان الحكومات ساهمت في هذا الوضع وليس مجرد القطاع الخاص او خيارات الافراد في ظل اوضاع صعبة ماليا، لأنها كما أشرت تريد التخلص من رواتب الموظفين وتحويل الأعباء الى الضمان، كما ان مليارات الضمان التي تم اقراضها عبر السندات للخزينة، مقابل مردود مالي، كان الاولى تشغيلها في مشاريع تساهم في حل مشكلة البطالة في الأردن، ومع هذا فإن ماهو اهم عدم مس الحقوق المكتسبة للمشتركين الذين افنوا من عمرهم عشرات السنين، ليستيقظوا اليوم على حديث الاستدامة المالية، فيما العنوان الرابع وهو الاهم، ان مؤسسة الضمان الاجتماعي هي اهم مؤسسة اقتصادية في الاردن من حيث ما تمثله من قيمة آمنة للمتقاعد الاردني او المشترك، ومستقبله.
هذا الملف بحاجة الى شرح رسمي موسع وواضح، وبث الطمأنينة ايضا حتى لا يبقى الملف عرضة للاشاعات المسمومة او التوظيف السياسي.
(الغد)